العراق المقاوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ضريح ميشيل عفلق وضريح جورج واشنطن وما بينهما

اذهب الى الأسفل

ضريح ميشيل عفلق وضريح جورج واشنطن وما بينهما Empty ضريح ميشيل عفلق وضريح جورج واشنطن وما بينهما

مُساهمة من طرف عزالدين بن حسين القوطالي الخميس 3 أبريل 2008 - 14:00

ضريح ميشيل عفلق
وضريح جورج واشنطن وما بينهما

منذر الموصلي


كم هو كبير هذا الحزب.. وكم هو كبير مؤسسه وباني أسسه، وأعني حزب البعث وميشيل عفلق رحمه الله، وهو الرجل المتميز في مبدئه القومي، وفي فكره السياسي وفي سلوكه الاجتماعي.. لقد كان ميشيل عفلق أحد رواد القومية العربية والفكر القومي المتطور المتجدد ولقد ترك للأجيال تراثا فكرياً ثراً لا ينضب، وهو أول من ربط بين العروبة والإسلام ربطا ثقافيا قرآنيا محمديا وليس دينيا طقوسيا مجردا، فالعروبة عنده هي مادة الإسلام، وهو القائل بان الإسلام لا يمكن أن يتمثل إلا في الأمة العربية، وفي فضائلها وأخلاقها ومواهبها، فأول واجب تفرضه إنسانية الإسلام إذن – وحسب قوله الراجح – هو أن يكون العرب أقوياء سادة في بلادهم.
كان ميشيل عفلق أول من تنبه إلى محاولات استلاب الروح العربية في الإسلام وعجمه وتتريكه تحت تأثير صراعات الأقوام التي أخذت بالإسلام، وكانت تهدف إلى نفي العروبة من الإسلام وجعله مجرد دين طقوس وعبادات وابتهالات وغيبيات بينما هو نظام متكامل للحياة أعطى العروبة بمقدار ما أخذ منها لذلك امتزجا معاً وهو ما تنبه إليه الأستاذ ميشيل العربي المسيحي.
وعندما أعلنوا عن إسلام ميشيل عفلق واعتناقه الدين الإسلامي – وجدت من جانبي أن هذه مسألة شخصية ذاتية تخصه وحده – ولم يفسرها أي بعثي مخلص ومتفهم على أنها نقله من دين سماوي فاضل إلى دين أفضل فالأديان سواء في المعيار الإنساني والديني.
أبدا لم يكن الأمر كذلك بل هو نتيجة إرهاصارت وقناعات فكرية ظلت تضج في عقله وفي مشاعره عن الدمج القائم بين العروبة والإسلام، وهو دمج قراني نستدل عليه من صميم القرآن الكريم، ولعله كان يجد عروبته وإيمانه بها ناقصا ما لم يأخذ بالإسلام، وهذه مسألة تخصه ولم يقلها أو يتاجر بها فيصبح مجرد شخص متعبد يقضي أيامه في الصلاة والصوم، وهي عبادات وممارسات روحية يمكن أن يؤديها في الكنيسة أيضا.
ولقد أعلن في خطاب عام الرئيس الراحل حافظ الأسد ما يؤكد على ذلك عندما قال: إن العروبة مندمجة بالإسلام، ولكن لسنا نحن الذين صنعنا هذا الدمج، الله هو الذي دمج العروبة بالإسلام.
وعندما نشر أحد الأصدقاء مقاله في مجلة (التضامن) وكان رئيس تحريرها صاحبها الصديق العزيز فؤاد مطر وتصدر في لندن، نشر مقالا آنذاك وعقب الإعلان عن إسلام ميشيل عفلق وبعد وفاته في حزيران 1989 تحت عنوان: (ميشيل عفلق في ذمة الاسلام).
جاء فيه: "إن الإعلان عن الاعتناق المتأخر للأستاذ عفلق للإسلام، إعلان عن أن الإسلام هو كل العروبة، وهذا يعني أن حزب البعث هو حزب ديني وليس حزبا علمانيا، وأنه حزب إسلامي وليس حزبا عربيا، وأن الإنسان العربي هو الإنسان المسلم فقط، وأن الخيارات الوحيدة المتاحة للعرب غير المسلمين هي أن يعتنقوا الإسلام، أو أن يرحلوا عن البلاد، أو أن يبقوا ذميين ومواطنين من الدرجة الثانية عرضة لشتى أنواع المضايقة والاضطهاد فلا مكان في العالم العربي لغير المسلمين ".
وقال: "إن الإعلان عن ذلك يبرر الدعوات الانعزالية المسيحية في لبنان بدفعها دفعا إلى المطالبة بوطن قومي مسيحي لا علاقة له بالعرب وبالعروبة".
الكاتب هو عربي مسيحي لبناني لم يزيل المقال باسمه الصريح، لكنني استنتجت من يكون وهو الأستاذ سليمان الفرزلي، وهنا كان عجبي واستغرابي من أن شخصا مثله لا يمكن أن تفوته ملابسات مسألة إسلام الأستاذ أو الإعلان عن إسلامه بعد وفاته طبعا، وتناولت قلمي ورددت على ما كتبه في العدد 308 من (التضامن) تاريخ 10/7/1989 وكنت مصادفة في لندن آنذاك وسلمته يداً بيد للصديق فؤاد مطر الذي أقرني على استنتاجي بأن الكاتب هو الصديق العزيز سليمان الفرزلي وكان ردي طويلا اجتزىء منه الآتي من حيث قلت : "هذا القول عليه قول لأنه يعطي المسألة بعدا آخر ما كان في خاطر الإعلان عن إسلام الأستاذ رحمه الله ومن صاغه في بغداد، وكان الأجدر لو أتى كلام الكاتب على شكل تساؤلات كأن يقول مثلا:

"نحن نخشى أن يفسر البعض إعلان إسلام الأستاذ ميشيل عفلق على أنه يعني أن الإسلام هو كل العروبة أو أن حزب البعث هو حزب ديني لا علماني .. الخ"..
أما أن يستخلص الكاتب نفسه هذه المقولات فيجعلها في مستوى الحقائق الثابتة ويتبناها ويروج لها فإنه استخلاص غير صحيح، غير أنني أوافقه على تساؤلاته وتعليقاته الأخرى المتعلقة بالإعلان عن إسلام الأستاذ مع العتب لأنه بدأ في بعض ما كتب وكأنه يحاول زج شخصية الأستاذ عفلق بما واكب مسيرة البعث من سلبيات واختراقات فكرية وسياسية وانقسامات لم يكن هو مسؤولا عنها وذلك في قوله: "فهذا النمط الذي يختلط فيه الوحدوي مع الانفصالي والديموقراطي مع الديكتاتوري والعلماني مع الإسلامي، لا يمثل فقط تعبيرا عن المسيرة العفلقية المعقدة، وإنما يعبر أيضا عن المأساة العربية المخزية".
وقلت: "إن مسيرة البعث التي يريد الكاتب أن يجعل منها المسيرة "العفلقية" لم تكن معقدة لكن ربما شائكة أو صعبة وأحيانا غير مفهومة للكثيرين على ما يبدو، ومنهم هذا الكاتب المحترم الذي لم يوشح البحث باسمه ، على أنني استطعت التخمين عنه ومن هو، وأحسب أنه كان دائما من المنحازين للبعث بحيث تجاوز في انحيازه كل بعثي آخر.. فما عدا مما بدا حتى تبدلت المواقع والقناعات؟ فالبعث ليس فيه عفلقية وبيطارية وأسدية أو غيرها بل هو البعث نفسه في تسميته وفي مضمونه وفي تاريخه ورغم كل العثرات والكبوات التي تعرض لها.
وقلت أيضاً : "وأريد أن أخلص إلى القول أنه ربما توارد إلى خاطر الكاتب المحترم أنه في هذا قد يرضي جانبا دون أخر في واقع الانقسام الذي هو عليه البعث اليوم فهو مخطىء، كما أرجو لو أكون مخطئا في ظني السيء هذا، وهذا لا يمنع القول إنهم في دمشق يكيلون الصاع صاعين لبغداد في سياق حالات الفرقة والتباعد والانقسام السائد حالياً ونرجو مخلصين أن يسدل عليها ستار الوحدة بين القطرين الجارين اللصيقين العزيزين، والذي أرغب في التذكير به إنهم في دمشق لا يرتاحون كثيرا للتعريض بتاريخ الحزب وفكره القومي ومواقفه التاريخية حتى لو بدت مستساغة للبعض أو تحمل اسم الأستاذ ميشيل عفلق عنوانا لها ونبراساً، لأن هذا التاريخ هو شيء تراثي للبعث يعتز في الانتساب إليه كل بعثي عراقي أو شامي وفي أي موقع هو فيه من ارض العرب.
وقلت متابعاً: "وأزيد في القول أنه وفيما يشبه النقد الذاتي عقب مسؤول سوري كبير وكبير جدا في دمشق في اجتماع حزبي شامل كان معقودا هناك قبل سنوات بشأن الحكم القضائي الذي صدر في دمشق بحق الأستاذ ميشيل عفلق إبان مرحلة سابقه عاصفة من مراحل الهزات القطرية على مستوى الحزب، وأعلن هذا المسؤول الكبير بأنه أصدر قراراً لا عودة عنه يقضي بحفظ إضبارة الحكم بحق الأستاذ ميشيل وسحبها من القضاء، مع التنبيه بالامتناع عن التعريض بشخص من يعتبره القائد المؤسس للحزب وكان ذلك تحت أشد الظروف ومراحل تبادل الحملات بين دمشق وبغداد حتى لو كان الأستاذ ميشيل نفسه هو أحد الأطراف المباشرين في الحملة علينا، لأن ميشيل عفلق يبقى القائد الرمز والتراث وفكر الحركة مهما تتالى الزمن أو تصعدت وتعقدت أوضاع الانقسام".
وأقول الآن مستدركاً بأن مؤسسات الإعلام في سورية تمسكت بهذا التوجيه بدقة ولم يحدث طوال العقود الماضية أن سمع أو قرأ أي مواطن حملات على شكل كتابات أو حملات إذاعية وتلفزيونية ضد الأستاذ عفلق، مع أنه كان أحيانا يركز في خطبه ضد دمشق وضد رموز الحكم فيها وبالاسم أيضا، وأنا أعني هنا بأن المسؤول الكبير المقصود فيما كتبه يومذاك هو السيد الرئيس القائد الراحل الكبير حافظ الأسد، وهذه حقيقة تاريخية تحفظ له وتذكر بكل تقدير واحترام.
وأعود لأواصل الحديث عما كتبته من رد في مجلة (التضامن) آنذاك حيث قلت: "ويبقى القول بعد هذا أن إسلام ميشيل عفلق بشخصه الرقيق وفكرة القومي لا يقدم ولا يؤخر في مسيحية أي عربي ولا في إسلاميته لأن هناك على الأرض حقائق ثابتة أولاها أن الوطن العربي الكبير يخص كل عربي وإلى أي دين انتمى، فضلا عن أن المسيحي العربي لا يحتاج إلى صكوك اعتراف من اجل تأكيد هويته القومية وانتمائه القومي العربي، ولا أرى بأن إسلام ميشيل عفلق يتعدى عملية تكيف شخصي وهو أمر يخص من أراد اعتناق الدين الآخر، وهو ما ينطبق على أي مسلم عربي يريد تغيير دينه، وما نحن في عصور الماضي أو مفاهيمه، ولا نخرج عن المنطق وعن أحكام الإسلام".
وقلت : "ونحن كجيل في البعث أخذنا ميشيل عفلق وانتمينا إلى حزبه متأثرين بشخصيته الرقيقة وفكره القومي، وبعثه العربي ونضاله الشخصي وعفته الخلقية وسائر مزاياه وسجاياه التي قد لا يعرفها إلا من عاشه وعايشه وأحبه واحترمه.. ونحن لم نأخذه مسلماً أو مسيحياً، ولقد عرفناه وأحببناه وعشناه قائدا في البعث في مسيحيته وليس في إسلامه، لقد عشنا مسيحيته العربية ولم نعش إسلامه أبدا. فبقي دائماً وأبدا هو هو ميشيل عفلق قائد البعث ومؤسسه وبقي البعث هوهو بعث ميشيل عفلق وحزب الأمة العربية".
وختمت بالقول : "هناك جيلنا في البعث، ومن أتى بعدنا ومن هو الآن على الطريق، أي ثلاثة أجيال اعتنقت البعث.. بعث ميشيل عفلق مع علمها ويقينها بأنه إنسان ومواطن مسيحي عربي، ولا أرى وغيري أن الإعلان عن إسلامه يبدل من الأمر شيئا.
ولقد عرفنا الإسلام كرسالة عربية إنسانية يتشرف بها العرب وتتشرف بالعرب الذين حملوا مشاعلها ونشروها على مدى الكون وهم حماتها. فالعروبة هي الجنس والانتماء القومي بينما المسيحية والإسلام هما الانتماء الديني، فالدين لا يوحد البشر بل ينسق بينهم ويقاربهم بموجب تعاليم سماوية بينما القومية هي الجامعة الأولى التي تجمع وتوحد أبناءها وهو ما ينطبق على جميع الأجناس والأديان. وإسلام ميشيل عفلق لم ولن يبدل في صيغنا القومية أو قناعاتنا الفكرية، بل أن عروبة المسيحيين تميزت دائما بشفافية فيها صلابة انقلبت على عوادي الزمن وجائحات الأعاجم والشعوبيين والصليبيين، في وقت كاد مسلمون عرب كثيرون أن يرهنوا الإسلام العربي للخليفة التركي وللإمام الفارسي باسم إسلام الطقوس والابتهالات وغيبيات بعيداً عن الإسلام كنظام للحياة العربية والإنسانية وكحصن للعروبة، فهو دين عربي بمقدار ما هو أممي وإنساني.
وبعد إذ قرأ الكاتب وهو الصديق الفرزلي هذا الرد اتصل بي وأبلغني على الهاتف عن أسفه لما كتبه نتيجة تفسير خاطىء لخطوة الأستاذ الراحل.
أنا أستعيد هذه الكتابة لأحكي شيئا عن قائد ومؤسس بعثنا وكيف توجهت القوات الأميركية الغازية إلى ضريحه تعمل فيه هدما واقتلاعا بتحريض فئات عراقية باغية حسبت بأن البعث كان وراء اغتيال أحد رجال الدين "المتآمركين" وهو فارسي الأصل والهوى فلم تجد بعثيا تقتص منه أو تجرؤ على مواجهته فاستعانت بـ(اليانكي) المتصهين للاعتداء على الضريح.
إن حزباً تقاتله أمريكا لن يكون ذلك الحزب الهش الجبان الذي يتهاوى أو تتمكن خربشات "بريمر" على الورق من حله.
إن البعث حتى عندما صدر قرار بحل نفسه عام 1958 براً بالوحدة وانصياعاً للوحدة، وبتوقيع ميشيل عفلق تجده وقد استعصى على الحل، حتى يحله "بمريمر" أو يقبل بهذا الحل الهجين بينما ازداد رسوخاً في الأرض واستعصاء على الحل.
إن ميشيل عفلق لا يمحى حزبه أو يحمى فكره القومي، وتمحى أجياله بقرار أميركي، وميشيل عفلق ليس مجرد جسد مسجى في ضريح يزول اسمه بزواله.. لا فإن ميشيل عفلق هو فكر وإبداع وحزب حي فوق ارض العروبة والإسلام، ولقد تعرض الضريح ومقام الإمام علي كرم الله وجهه للهدم والردم أكثر من مرة، فهل غاب اسمه أو أندرس مقامه؟ أبدا وهكذا شأن عظماء التاريخ في الزمان والمكان، بل لقد ازداد العرب اشمئزازا وقرفا من هذا المحتل الذي ينفذ القرار الصهيوني الحاقد على كل عربي على وجه الأرض والذي جاء ليعلمنا الديموقراطية وأول بنودها هو احترام الأخر والرأي الأخر ومشاعر الأخر وأموات الأخر، وأحسب بأن عظام الرئيس المؤسس واشنطن تهتز في ضريحه خزيا وعاراً من أعمال خليفته اللاديموقراطي "جورج بوش" ورهطه.
إن من لا يقيم وزنا واحتراماً للأموات لن يكون أكثر احتراما للأحياء. ولقد قرأت ما كتبه الأستاذ غسان تويني عميد "النهار" حول حادث العدوان على ضريح الأستاذ الراحل الكبير ميشيل عفلق وقرأه كثيرون فأكبرنا في الرجل المحترم نباهته وحسه الإنساني العربي اللبناني، مع اجزل تحية.


--------------------------------------------------------------------------------
عزالدين بن حسين القوطالي
عزالدين بن حسين القوطالي
مساعد المدير
مساعد المدير

ذكر
عدد الرسائل : 268
تاريخ التسجيل : 16/12/2006

http://yahoo.fr

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى