من فاز في اميركا الديمقراطيون وليس القوميون العرب

خضر عواركة

لا شك بأن هزيمة جورج بوش في لعبة بوكر هي مصدر سعادة وفرح لأي مؤمن بالعدل الإنساني فكيف بهزيمته في إنتخابات نيابية ؟

نظرا للجرائم الهائلة التي إرتكبها سفاح العراق وباني السجون السرية و مؤسس سياسة الخطف على الهوية الطائفية وعلى الشبهة وبموجب تقرير غير مؤكد ، ما جعل الولايات المتحدة تنحدر أخلاقيا إلى مستوى عصابات السلب والنهب والمافيات والقراصنة .

ولكن هذا الأمر شيء والفرح الغامر الذي تنشره الصحافة العربية حول خسارته للإنتخابات النصفية شيء آخر . فالمتابع للإعلام العربي يلاحظ مبالغة في تحليل التأثير المباشر لسيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب بأغلبية بسيطة لا تزيد عن خمسة بالمئة من عدد النواب .

النظام الرئاسي للولايات المتحدة يضمن لبوش حرية مطلقة في سلوك النهج الذي يشاءه على صعيد السياسة الخارجية وكذلك الداخلية مع قليل من الإحراج الذي قد تسببه له الأغلبية الديمقراطية بطلب إستجواب أعضاء إدارته . وهو أمر قد يفيد في التأثير على الرأي العام الأميركي فيما يتعلق بالأمور المحلية .

عدا عن ذلك فقد وفر الحزب الجمهوري الذي كان يسيطر حتى صباح اليوم على مجلسي الكونغرس صلاحيات إضافية لبوش، جعلت منه وبموجب الدستور قيصرا يسأل عن أفعاله ولكن لا يستطيع أي كان حتى الكونغرس نفسه أن يحد منها .

إن اي جهة حزبية معارضة لسياسات جورج بوش تسعى لتغيير وتعديل هذه الصلاحيات، تحتاج لوقت قد يمتد إلى ما بعد رحيله عن البيت الأبيض حتى تنجزها . خاصة وأن مجلس الشيوخ لا زال ملعبا للجمهوريين وبإمكانهم من خلال سيطرتهم عليه التحكم في توقيت طرح القضايا المختلف عليها للتصويت .

نعم على بوش أن يأخذ موافقة المجلسين على أي إقرار لميزانية الحرب في العراق وينبغي له أيضا ان يعود للكونغرس في حال قرر شن حرب أخرى او سعى لفرض التجنيد الالزامي . ولربما هذا القيد هو مصدر الفرح الوحيد بإنتصار الديمقراطيين وإن المحدود حتى الآن . ولكن من قال بأن الديمقراطيين معادون للحروب الإستباقية بالمطلق ؟ من قال بأنهم دعاة عدل وسلم ؟ من قال بأنهم في مجال التعامل مع القضايا العربية ليسوا على نفس مستوى العدوانية والتجبر وإن بإسلوب اقل فجاجة وغلظة .

الحزب الديمقراطي هو حزب كلينتون الذي وضع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تحت الضغوط المعروفة في كامب دافيد لإجباره على بيع القدس وعودة اللاجئين بلاثمن . وهو حزب زوجته هيلاري التي قادت بنفسها مسيرة دعم لإسرائيل خلال حرب تموز 2006 ولم تأبه هذه المتعالية العنصرية لالف شهيد لبناني أكثر من ثلثهم من الأطفال الأبرياء .

كما أن قانون محاسبة سوريا وقانون تحرير لبنان وقانون وقف المساعدات عن السلطة الفلسطينية كلها من القرارات التي صوت عليها الديمقراطيون بحماس منقطع النظير.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن اليهود الأميركيين لا يصوتون في العادة إلا للديمقراطيين.

وهم وعلى رأسهم اللوبي الصهيوني يعتبرون الحزب الديمقراطي منزلهم وبيتهم ومرتع طفولتهم السياسية وقلة منهم تنتخب الجمهوريين لإعتبارات داخلية أميركية لا علاقة لها بالصراع العربي الإسرائيلي الذي يعتبر موضوعا خارج أي خلاف معلن بين الحزبين .

علينا أن نتوقف كعرب عن إنتظار الأخرين وعن إنتظار رحمتهم وعفوهم عنا . وواجبنا البدء بفرض الوقائع على العدو كما على الصديق . على الأقل من خلال سلاح الموقف السياسي المتمسك بالحقوق والثوابت وهذا بالظبط ما يحمينا اليوم وغدا وبعد غد بعيدا عن من فاز هنا أو من سقط هناك .

إنه عالم لا يحترم إلا القوي ولا يأبه لتوسلات الضعيف . خصوصا في اميركا التي يتقاسم الحكم فيها حزبان هما كل المعادلة المؤسساتية الواحدة حيث يقف خلفهما لوبي نفطي تسلحي صهيوني جشع واحد أحد .

فلنفرح بتقييد قدرة بوش على شن الحروب دون محاسبة من ممثلي شعبه ولكن ، من قال أن حربا أخرى مثل حرب العراق ستكون وبالا علينا لا عليهم ؟ الا يقول المثل وجع ساعة ولا كل ساعة ؟ هزيمة منكرة اليوم خير من مخفيات الغد الأميركي غدا .