العراق في متاحف اللصوص

العراق في متاحف اللصوص

إنصاف قلعجي

حين تبدى له رأس إنسان له جسم أسد وجناحان، شده. وحاول أن يقنع نفسه بأن ما رآه هو حجر، إذ صاح : هذا ليس من عمل البشر، ولكن من عمل هؤلاء المردة الملحدين الذين قال عنهم النبي عليه السلام إنهم كانوا أطول من شجر النخيل، وهذا أحد الأوثان الذي لعنه نوح عليه السلام قبل الطوفان....

هذا ما صرح به عالم الآثار البريطاني هنري لايارد عام، حين اكتشف هذا التمثال (الذي يعود لعام 849ق.م) على مدخل قصر آشورنصربال الثاني في مدينة نمرود عاصمة الآشوريين قرابة 150 عاما قبل أن تصبح نينوى هي العاصمة. وكان أهم اكتشاف له. وأسرع أحد العمال إلى الموصل، حيث الحاكم، ليعلن بأن لايارد اكتشف النمرود بذاته، ذلك البطل منذ فجر التاريخ. وقرر الحاكم آنذاك أن ينقل هذا الاكتشاف إلى بريطانيا ليكون مدخلا لبوابة قصر الملكة.

لم تبدأ سرقة آثار العراق منذ الغزو عام 2003، وإنما من منتصف القرن التاسع عشر أيام الدولة العثمانية غير المعنية بالآثار آنذاك، إذ نشط عالمو الآثار البريطانيون بداية، قبل أن يتبعهم الفرنسيون والألمان بعدها،وكانت التوراة بداية انطلاقتهم كم جاء في كتّيب المتحف البريطاني، إذ ورد بأن جنة عدن تقع في مكان ما في بلاد ما بين النهرين، كما كانت تسمى، مبتدئين بمدينة بابل. وكان نبوخذ نصر ملكا آنذاك عليها، وقام بمحاربة اليهود في القدس وسبيهم إلى بابل (ولم ينس اليهود ما عاشوا السبي البابلي).وحسب الموسوعة الحرة، فقد تمت عودة اليهود إلى أرض فلسطين مرة أخرى بعد سقوط الدولة الكلدانية على يد كورش حاكم الفرس الذي وعد اليهود بالعودة إلى فلسطين، ويعد بعض المؤرخين هذا الوعد بأنه وعد بلفور الأول...

بدأ الغرب بدفع الأموال الطائلة لعلماء الآثار في العراق، وكانت تشحن تلك الآثار المنهوبة عن طريق ميناء البصرة لتصل إلى متاحف العالم.

حين زرت قسم بلاد ما بين النهرين في المتحف البريطاني، هالني حجم السرقات لحضارة العراق العظيمة، جدران بأكملها، منحوتات، مصكوكات، مجوهرات، شواهد قبور لعلماء مسلمين أيام الدولة العباسية، آلات موسيقية، صور لحيوانات، صيد...إلخ.غمّ قلبي، فتاريخ العراق هناك. ومنذ عام الغزو2003، نشط السارقون الجدد في نهب المتاحف تحت سمع وبصر الأمريكان، وخاصة اليهود الذين حملوا حقدهم التاريخي. يقول مدير متحف العراق بأن ما سرق ليس ميراث العراق وحده وإنما ميراث الإنسانية وأصل الحضارة وعلوم الحيوان..

نعم، سرقوا العراق وسرقوا بلاد الشام والحضارة المصرية القديمة تحت شعار التبادل الثقافي الحضاري.والآن يسرقون ما تبقى تحت ستار الديمقراطية الزائفة المليئة برائحة الجثث والقبور.