العراق المقاوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الفقيد أحمد صدقي الدجاني

اذهب الى الأسفل

الفقيد أحمد صدقي الدجاني Empty الفقيد أحمد صدقي الدجاني

مُساهمة من طرف عزالدين بن حسين القوطالي الإثنين 3 مارس 2008 - 20:12

صدقي الدجاني..

لقاء العروبة والإسلام في رجل*


إبراهيم درويش



أحمد صدقي الدجاني في شبابه

أحمد صدقي الدجاني (1936 - 2003) الذي توفي الإثنين في القاهرة، سيذكر بأنه أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 وأحد العروبيين الذين لم يجدوا حرجا من التأكيد على هويتهم الإسلامية، فهو وإن بدأ حياته العلمية ونشاطه الفكري في منتصف القرن الماضي فإنه ينتمي إلى عروبيي المرحلة الأخيرة من الدولة العثمانية الذين لم يجدوا أي مشكلة مع هويتهم الإسلامية، فالعروبة كانت تعني بالضرورة الهوية الإسلامية. والعروبة في هذا السياق لم تكن أيديولوجيا منفصمة أو منفصلة عن الإسلام أو الهوية الإسلامية للعرب. كما يذكر الدجاني أنه أحد رواد حقل الدراسات الليبية، حيث كان أحد مؤرخي السنوسية، مع نقولا زيادة، ومحمد عزيز شكري، وكتابه "الحركة السنوسية" يعد من المراجع الهامة في تاريخ هذه الحركة الإصلاحية والثورية الليبية. وقد كرس الدجاني جانبا كبيرا من حياته الأكاديمية لدراسة ليبيا الحديثة، وألف فيها أكثر من كتاب، واهتم الراحل بقضايا الوحدة والديمقراطية والعولمة والمعرفة.

واتفق جميع مع عرف الراحل الكبير على صلابة موقفه ودماثة أخلاقه وتمسكه بالرؤية المبدئية والثوابت القومية، ولهذا لقي الدجاني احتراما من مجايليه وزملائه، كما اتسم الدجاني، في محضره ومخبره بحفاظه على سلامة اللغة العربية، وكان المثال الذي يحتذى به.

الأصول.. شجرة العروبة

في الحوارات الليبية التي أعدها الباحث الليبي المقيم في لندن "فرج نجم" استعاد الدكتور الدجاني شيئا من تاريخ عائلته التي تعود في أصولها إلى الجزائر، والدجاني عائلة دينية صوفية مشهورة في يافا. يقول الدجاني: إن علاقة عائلته بليبيا تعود إلى بدايات القرن العشرين عندما عين جده الشيخ محمود الدجاني قاضياً في ليبيا في الفترة التي تلت عام 1900، فقد كانت ليبيا في ذلك الوقت جزءاً من الدولة العثمانية، وكان جده قاضيا في هذه الدولة قبل الانقلاب الحميدي الذي جاء ضد السلطان عبد الحميد الثاني 1908، وتنقل في هذه البلاد الواسعة، بلاد الإسلام التي تحكمها الدولة العثمانية، وفي فترة معينة استقر به المقام في الخمس وزليطن وطرابلس.

ويقول الدجاني إنه لم ير جده، فقد توفي قبل ولادته بعامين، "وهو الذي قال لوالدتي: إذا جاءك ابنٌ سميه أحمد صدقي، فأنا أذكر هذه الصلة، وأذكر صورته التي كانت تبرز فيها عمامته، وثوب علماء الدين في وسط الديوان، وكنت أتأثر بما أسمعه من جدتي عنه، وعن الرحلة إلى طرابلس، كيف ذهبوا إلى إستانبول، ومنها كيف ركبوا الباخرة إلى مالطا، وكيف نزلت هي في شوارع مالطا بزيها الذي كان عبارة عن غطاء شديد السواد، وكيف كان هذا محل استغراب في مالطا، ثم كيف نزلوا في طرابلس، وكيف استضافهم أهل طرابلس الكرام. ثم كيف مارس مهمته في القضاء، وكنت أسمع عن عادات أهلنا في ليبيا من جدتي، فالذاكرة اختزنت الكثير، والحق أن من بين هذا الكثير أيضاً أن جدي أطلق اسم الطيب على والدي حين رزق بوالدي، والطيب اسم ليس شائعاً في المشرق، ولكنه كان شائعاً في تلك الفترة التي عاشوها في ليبيا. أمشي قدما بعد ذلك فأذكر أنني في المدرسة كنت أسمع عن ليبيا" .

ونشأة كهذه لم تجعله بعيدا عن ليبيا وتراثها وجهاد أهلها، ففي المدرسة كان الدجاني يسمع عن جهاد الليبيين ويقول الدجاني لنجم: كان المثل الذي يحتذى هو استشهاد عمر المختار، البطل الذي أعطى مثلاً للعمل والمقاومة بكل أبعادها، وكنا نتأثر ونحن نقرأ شعراً لإبراهيم طوقان عن عمر المختار، رحمه الله، وكنا نتابع حين بدأت التفتح في فلسطين بعض الأخبار عن ليبيا من خلال ما أسمعه من الأسرة، وكانت مهتمة بتتبع الأخبار السياسية .

التكوين العملي والثقافي

الدجاني مع الأمير الحسن

بعد النكبة انتقلت عائلة الدجاني لسورية، حيث وجد والده عملا في مجال الزراعة والمشاريع الزراعية، وسافر إلى ليبيا في عام 1953. ويعتقد الدجاني أن فترة إقامته في ليبيا ما بين 53 ـ 1956 كانت فترة مهمة بالنسبة له ولتكوينه الثقافي.

ففي عام 1958 تعاقد وهو في دمشق التي كان عازفا عن تركها للعمل في وزارة التربية والتعليم، ويقول الراحل عن هذه المرحلة: إنها كانت من أغنى مراحل حياتي، بدأت منذ تشرين الأول (أكتوبر) 1958 وانتهت في آخر كانون الثاني (يناير) 1965، هذه السنوات أعتبرها من أهم السنوات في تكويني العلمي. ففي هذه الفترة أنجز الكاتب دراسته عن السنوسية، ليؤكد نفسه كأحد رواد البحث العلمي والأكاديمي فيها، كما كانت فترة للتعريف بالقضية الفلسطينية، من خلال النادي الثقافي الليبي، والمركز الثقافي العربي، وجاء نشاطه الثقافي هذا متوافقا مع عمله كمدرس في مدرسة الزاوية وبعدها معهد محمد بن علي السنوسي. ويستعيد الدجاني فكرة اهتمامه بالدراسات الليبية قائلا إنها كانت من اقتراحات أستاذه المؤرخ محمد أنيس، حيث أراد أن يتقدم بأطروحة للماجستير، في مجال التاريخ الفلسطيني، إلا أن الدكتور أنيس قال له لا.. أنت في ليبيا، وأنت من أحاديثي معك رأيتك ملماً، ومهم جداً أن تعطي تاريخ ليبيا حقه، فوجد هذا صدى عظيماً في نفسي، فبدأنا نتداول واستقر الرأي بعد قراءات على اختيار الموضوع التالي: نشأة الحركة السنوسية ونموها خلال القرن التاسع عشر؛ لأني وفقاً لمنهجي التاريخي أردت أن أحصر المدى الزمني في قرن واحد، أي طيلة فترة السيدين المؤسس محمد بن علي السنوسي، وابنه محمد المهدي إلى وفاته، ثم تركت الفترة التالية لمرحلة ثانية وهي مرحلة السيد أحمد الشريف، ومن ثم مرحلة السيد إدريس الذي أصبح ملكًا. في تلك الفترة بدأت بقوة، والحق أنني عملت على أن أجمع كل ما وقع في اليد مما كتب عن السنوسية، وكان هناك بعض الكتابات العربية القليلة وذكرتها، وكانت هناك عناية من بعض الإنجليز تطرقوا إليها في رحلاتهم، ومنهم بريتشارد.

وأنتج الدجاني بعد هذه الدراسة -التي اعتبرت مهمة وجامعة في تاريخ الحركة السنوسية- عددا آخر من الدراسات منها اليقظة العربية في ليبيا، أحاديث عن تاريخ ليبيا، وثائق ليبيا الحديثة. وبحسب الباحث فرج نجم فقد كان الدجاني يعد كتابا هو مذكراته عن حياته في ليبيا تحت عنوان لقاء الكهل بالشاب الذي كأنه هو.

وحمل الدجاني توقا وألقا لليبيا، وارتبطت عائلته بالمصاهرة بعائلة ليبية كما أن نجله مهدي متزوج من ليبية.

ومع أن الدجاني أنجز ما أنجزه في مجال الدراسات الليبية وابتعد في المراحل الأخيرة من حياته عن هذا المجال للكتابة في القضايا الحضارية والثقافية وقضايا العروبة والإسلام، فإنه كان يشارك في أي قضية لها علاقة بتاريخ ليبيا، فقد شارك قبل عامين في مهرجان عمر المختار الذي أقامه مركز ليبي في لندن لتخليد ذكرى الشهيد الليبي الكبير. ومن هنا فوفاة الدجاني تظل خسارة ليبية، وعربية وفلسطينية مجموعة.

وعرف الدجاني بنشاطه في المؤتمرات والندوات العلمية، وحاضر في لندن كثيرا حيث دعته جمعيات ومؤسسات فلسطينية وعربية قومية لتقديم محاضرات. وعرف الدجاني بصوته المتميز وتأنقه باللغة، فكان صوته يخرج هادئا ببحة جميلة، ولم يؤثر عنه أنه تكلم العامية في أحاديثه العامة أو الخاصة. وعربيته السليمة لم تكن متقعرة بل عفوية. كان الدجاني مثال العالم العامل، وظل كما قالت كريمته بسمة، يكتب ويشارك في المقال للصحف والمجلات.

عطاؤه الفكري

الدجاني مع الملك الراحل حسين

في المجال الحضاري أكد الدجاني على ضرورة اهتمام العرب بدائرتهم الإسلامية الأوسع التي تضمن الهامش الإسلامي البعيد عن المركز، وكان يشدد على فكرة الديمقراطية والشورى وحقوق الإنسان كأولويات لبناء المشروع الحضاري العربي.

ولم تشغله اهتماماته الأكاديمية الليبية ونشاطاته العروبية عن الاهتمام بقضيته الفلسطينية، فقد ظل عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مدة عشرة أعوام.

ومع مشاركته الواسعة في النشاط الفلسطيني السياسي والثقافي، فإنه كان معارضا لنهج التسوية السياسة وإفرازات أوسلو، حيث كان من رافعي شعار "لا للحل العنصري الصهيوني في فلسطين"، وخلافه مع مهندسي أوسلو لم يلجئه ولو مرة إلى دعم أي حركة تدعو لشق الصف الفلسطيني، فقد كان الدجاني بطبعه وحدويا وداعيا للائتلاف الوطني والحوار مع كل فصائل المقاومة، وموقف كهذا جعله قريبا من كل فصائل العمل الفلسطيني، في الداخل والخارج.

وأسس منذ عشرين عاما المجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم في منظمة التحرير الفلسطينية وظل رئيساً له حتى عام 2002 حيث استقال بسبب متاعبه الصحية. وانتخب الدجاني في عدد من المجالس والمؤسسات والأكاديميات العربية، فقد كان عضوا بالأكاديمية الملكية المغربية، ومؤسسة آل البيت، وكان أحد مؤسسي المؤتمر القومي الإسلامي والمؤتمر القومي العربي. وشغل منصب رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان. ومثل الدجاني فلسطين في العديد من اجتماعات الحوار العربي الأوربي. وكرمه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بمنحه وسام فلسطين.

وشارك في ندوات للدفاع عن الهوية الفلسطينية وحق اللاجئين الفلسطينيين، وعمل الدجاني في العديد من الجامعات العربية محاضرا في التاريخ الحديث، وتلامذته الذين أشرف على رسائلهم منتشرون في كل بقاع العالم العربي. وكان آخر حضور للراحل في ندوة شارك فيها في معرض القاهرة الدولي، دعا فيها يهود العالم لنبذ الصهيونية وأكد على أن الانتفاضة الفلسطينية وجدت لتبقى وتتصاعد حتى يسلم العدو ويضطر إلى إيقاف عدوانه الدموي ويجلس للتفاوض.

آمن الدجاني بدور الشباب في مرحلة النهوض الحضاري العربي، ووجه الكثير من أعماله لهم، كما كان يخاطبهم في الندوات والمؤتمرات التي يشارك فيها.

من آثاره

وترك الراحل مكتبة كاملة من ستين مؤلفا، منها: المعرفة والتقنية والتنمية.. آفاق ومخاطر، ضوابط وأضواء على الصين اليوم، النظام العالمي الجديد.. وجهة نظر عربية، الطريق إلى حطين، القدس.. إحياء الذكرى بعد ثمانية قرون... وصدر له هذا العام عن دار المستقبل العربي بالقاهرة كتاب زلزلة في العولمة وسعي نحو العالمية .

أحمد صدقي الدجاني مثقف فلسطيني، متميز في مجاله، كغيره من المثقفين الفلسطينيين، الذين برزوا في الخارج، وهو مثقف كان يترك دائما مع الذين يقابلهم حضوره الهادئ والرزين، ولغته الشفافة وكلماته المنتقاة. أذكر أن أول مرة استمعت فيها للراحل كانت محاضرة ألقاها في جمعية للتربية في القاهرة، لم يكن الحضور كبيرا، لكنه كان جميلا ودافئا، كان ذلك في عام 1988، واستمعت إليه مرة ثانية في عام 2000 في لندن، وقلت له إن اسمه ارتبط بذهني بكتاب الحركة السنوسية الذي قرأته منذ زمن بعيد، وهو الكتاب الذي شكل كثيرا من ذاكرتي عن هذه الحركة، ومؤسسها محمد بن علي السنوسي.

برحيل الدجاني هذا العام يكتمل موكب الراحلين الفلسطينيين من المبدعين، فقبله رحل الناقد الكبير إحسان عباس الذي دفن في عمان، والشاعر محمد القيسي المدفون في عمان أيضا، والناقد الكبير إدوارد سعيد الذي توفي في نيويورك ونثر رماده في لبنان. والشاعرة المبدعة فدوى طوقان التي عاشت لحظاتها الأخيرة في نابلس، ودفنت فيها. وأخيرا الدجاني الذي توفي في القاهرة التي اختارها مقر إقامته منذ عام 1982.
عزالدين بن حسين القوطالي
عزالدين بن حسين القوطالي
مساعد المدير
مساعد المدير

ذكر
عدد الرسائل : 268
تاريخ التسجيل : 16/12/2006

http://yahoo.fr

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى