العراق المقاوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لغة الملايين في العراق المحتلّ

اذهب الى الأسفل

لغة الملايين في العراق المحتلّ Empty لغة الملايين في العراق المحتلّ

مُساهمة من طرف عزالدين بن حسين القوطالي الخميس 17 أبريل 2008 - 18:52

لغة الملايين في العراق المحتل

علي الكاش*



يحكى أن الرئيس بوش وبرفقته رئيس الوزراء السابق بلير جلسا معاً في مؤتمر صحفي، وهمس بوش في أذن بلير بأنه سيعمل مزحة، فصرح للصحفيين بأن الحرب القادمة للولايات المتحدة سيموت فيها مليون جندي وطبيب واحد، وتساءل الصحفيون بعجب لماذا يموت طبيب واحد؟ عندئذ قال بوش لبلير: ألم أقل لك بأنهم سيهملون المليون جندي ويهتمون بالطبيب الواحد!
لغة الملايين.. محصلة فوضى غير خلاقة
أعتقد أن هذه الطرفة السمجة حري بأن تأخذ قسطاً وافراً من تفكير العراقيين حيث أصبحت لغة الملايين هي السائدة منذ الاحتلال ولغاية غروبه، بإذن الله، لغة الملايين في العراق تختلف اصطلاحاً ومفهوماً عمّا هي عليه في بقية الأمم، إنها لا تتحدث عن ملايين النقود أو ملايين الزهور والكتب والسلع والطوائف والقوميات والأجناس وغيرها مما يُحسب بالملايين، إنها بشكل مختصر تتحدث عن ملايين المآسي والجرائم والسرقات والقنابل التي سقطت على ممتلكات الشعب العراقي ورؤوس أبنائه بلا هوادة أو وازع ضمير.
حديث الملايين هو عن سقوط قتلى وآلام موجعة وشجون مدمرة ودموع لا يمكن أن تُكفكف لأنها نتيجة قتل وتخريب وحرائق وتدمير، إنها محصلة فوضى غير خلاقة جلبتها قوات الاحتلال من آخر العالم لتزرعها شتلة شائكة في العراق.
أرقام مخيفة
ولنلقِ نظرة على مفهوم المليون الاحتلالي في العراق وفق أحدث النظريات المعاصرة، فقد كشفت مركز استطلاعات الرأي (ORB) في لندن أن حصيلة العراق منذ الاحتلال تجاوز المليون قتيل جراء أعمال العنف! وحسب ما ذكره المعهد فإن 17% من العراقيين فَقَد كل منهم عضواً من عائلته نتيجة أعمال العنف منذ عام 2003، وهذا يعني أن نحو مليون عراقي قد قتلوا خلال أربع سنوات. ويتحدث المحلل السياسي روبرت فيسك عن أن عدد الضحايا العراقيين يقترب من الضحايا المدنيين في الحرب العالمية الثانية، فإنه وحتى لو اعتمدنا الإحصاءات الرسمية وبحدها الأدنى، نجد أن الرقم يتراوح بين 350 ألف إلى مليون ضحية، (وللمقارنة فقط علينا أن نتذكر أن ضحايا القصف الألماني لبريطانيا خلال سنوات الحرب بلغ 6000 ضحية في لندن، و(60595) ضحية في بريطانيا خلال خمس سنوات 1940-1945، مقابل (80182) جريح، وهذا يُظهِر أن ضحايا المدنيين في العراق قد تجاوز ما قدمه الغرب من ضحايا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وإذا ما قارنا ذلك بإحصائية أخرى، نجد الأرقام مخيفة، حيث إن الضحايا المدنيين في العراق قد تجاوز 6 إلى 7 أضعاف، الهجوم الذري الأمريكي على اليابان).
وعّاظ السلاطين
ورغم هول الرقم فقد مرّ دون جاذبية كما مرت مليون بوش في مزاحه دون أن تلفت إليها أنظار الحكومة العراقية ومجلس النواب، هذا أمر طبيعي وغير مستغرب، ودون أن تثير فتنة المراجع الدينية بكل طوائفها، ودون أن تثير الشعب العراقي نفسه، وهذا أمر شاذ وغير طبيعي في كل لغات العالم وقيمها.
مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والنقابات المهنية تعاملت مع الخبر الصاعق كما تعاملت مع ملايين بوش، لم نسمع أصوات الاحتجاج والاستنكار من أي كان، اللهم إلا بعض الأقلام الشريفة التي هزها هذا الرقم المخيف وأثار نخوتها فانعكس على بضعة مقالات لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، لم نسمع وقع الحدث في خطب وعّاظ السلاطين على منابرهم البريئة منهم، والتي سبق أن صدحوا فيها بخطاباتهم الطائفية والتحريضية الرنانة التي فقست الفتنة الطائفية.
الجماهير غريبة في تصرفها، وتثير الكثير من المخاوف والشكوك لقلة وعيها وردود أفعالها، ففي الوقت التي ذهبت بحجمها المليوني إلى كربلاء مشياً على الأقدام معزّية نفسها بذكرى موت سيد شباب الجنة الإمام الحسين (ع)، لم تساعدها أقدامها على المشي ساعة واحدة في تظاهرة شعبية احتجاجية لتعزّي نفسها بوطنها بلد المليون شهيد، أو تستلهم الدروس الرائعة من مأساة الإمام الشهيد وتطبقه على حاضرها المؤلم! إنها ترفض الظلم الذي وقع منذ نحو (1330) عام، ولكنها لا ترفض الظلم الذي يقع عليها في الوقت الحاضر! تلعن القوى العربية والمسلمة التي قاتلت الإمام وقتلته، لكنها لا تلعن قوى الاحتلال الأجنبية والصهاينة الذين يَسِمونها العذاب كل دقيقة! تحيي ثورة الحسين وترفض الثورة على الاحتلال! تطلب الثأر من الجناة الأموات وتغض النظر عن الجناة الأحياء! تبكي على أهل الحسين(ع) من النساء والسبايا، وتسكت عن السبايا العراقيات اللواتي يغتصبن على أيدي قوات الاحتلال وأذنابه من رجال الشرطة، كأنما سبايانا ليست حفيدات نساء الحسين(ع)! ما يصدق على المراجع الشيعية يصدق على المراجع الدينية من السنّة والمسيحيين وبقية الطوائف، فقد ألجمت قوات الاحتلال ألسنتهم، فأصبحوا شياطين مردة وليس رجال دين! أليس الساكت عن الحق شيطاناً أخرس؟ علامَ تثيرهم حالات فردية ولا تثيرهم حالات مليونية؟ فأي رجال دين هؤلاء؟ وأية عصبة شُدَّت على أعينهم لتمنع عنهم وضوح الرؤيا؟
بلد المليون شهيد.. العراق أم الجزائر؟
رجال السياسة في العراق ورؤساء الكتل السياسية بمختلف أطيافها وأطيانها الموحلة عافت نفوسها الموغلة في العمالة كما تعاف العين منظر النجاسة، وكأنما هي في تنافس محموم مع الجزائر التي احتكرت لقب (بلد المليون شهيد) فقرروا بهمة وعزيمة أن يكون العراق أيضاً بلد المليون شهيد! أليس كلا البلدين عربياً ومسلماً، ليكن أحدهما في غربيّ الوطن العربي والثاني في شرقيّ الوطن العرب، وبذلك تكتمل حدود ملايين الشهداء!
الصفر في العراق وفق منطوق الرياضيات الاحتلالية ليست له قيمة بغض النظر عن موقعه، فإن كانت الرياضيات التحليلية تنفي قيمته بوقوعه إلى يسار أي رقم، وتُضاعِف قيمته بوقوعه إلى يمين أي رقم، فإن هذه النظرية غير ذات قيمة حالياً حيث إن (1000000=0000001) لذلك تمرّ الملايين بسهولة كما يمرّ البعير في خرم إبرة!
لومنا إلى شعبنا
ولننظر إلى تطبيقات هذه النظرية عسى أن نتمكن من إثباتها بالمنطق لمن غفا داخل الصف أو تغافل عن قصد أو دون قصد، وسنستثني من اللوم والتقريع حكومتنا ومجلس النواب المنتخبين، فالأمر هو خارج نطاق مسؤوليتهما الوطنية والأخلاقية والدينية، لاسيما أنهم قد حجّوا أخيراً بشكل جماعي، وبتأديتهم هذه الفريضة فإنهم طهَّروا أنفسهم من كل الذنوب والكبائر السابقة واللاحقة، ولكننا هذه المرة سنوجِّه لومنا إلى شعبنا الكريم، وليعذرْنا على جرأتنا، فوقت المجاملات انتهى بلا رجعة، وكذلك إلى رجال الدين فنستميحهم عذراً لأن تعاليم الأرض لا تلغي تعاليم السماء! والأصول أحكم من الفروع، وأن مواقفهم طفحت بالمهازل والمهانة والتخاذل! وكذلك ومؤسسات المجتمع المدني التي لم تكشف لنا إلى الآن أوجه نشاطاتها ولو نشاطاً واحداً تُدرِّع نفسها به ضد النقد الموجَّه لها!
بين الرياضيات التحليلية والرياضيات الاحتلالية
تشير الإحصائيات الدولية إلى وجود (4) ملايين عراقي لاجئ، نصفهم داخل العراق والنصف الآخر خارج العراق، وهو أعلى رقم تجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين في نكبة عام 1948.
ذكرت منظمة الشفافية العالمية -ولا علاقة لهذه بشفافية رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري- أن العراق تقع في المرتبة الثالثة في مستوى الفساد المالي والإداري، حيث تجاوزت نتيجة الفساد (18) مليار دولار منذ الغزو اللعين.
وتشير إحصائية وزارة التخطيط العراقية الصادرة في أيار/مايو 2007 إلى أن هناك (9) ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر.
كما تشير الإحصائيات نفسها إلى أن نسبة البطالة في العراق بلغت 60% من مجموع اليد العاملة العراقية، بما يعني مليون عاطل.
كشفت هيئة النزاهة العراقية في 15/12/2007، عن وجود خمسة ملايين طفل عراقي يتيم حسب الإحصائيات الحكومية، وهي تتناسب مع إحصائيات منظمة الصحة العالمية الصادرة في نيسان 2007 التي أشارت إلى وجود 4-5 ملايين يتيم في العراق. كما أن مكتب المنسق الإنساني للأمم المتحدة ذكر في تقريره في نيسان 2007 أن (400) طفل يصبحون أيتاماً كل يوم في بغداد وحدها بسبب أعمال العنف.
بالرغم من توجه (6) ملايين طالب هذا العام إلى المدارس، حسب إحصائيات وزارة التربية العراقية، إلا أن نصفهم -أي نحو (3) ملايين- يتسرب من الدراسة!
كما أعلنت منظمة الصحة العالمية بأن عدد الأرامل والمطلقات في العراق بلغ مليوني امرأة.
وبلغ عدد الأطفال المعوقين في العراق، وفقاً لإحصائيات المنظمة نفسها، (900) ألف معوق!
وقدرت منظمة (IR) أن أكثر من 60% من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، أي نحو (13) مليون عراقي.
وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن 70% من العراقيين لا يحصلون على مياه صالحة للشرب، أي نحو (17) مليون عراقي.
ناهيك عن الكثير من الملايين الأخرى سواء تلك المتعلقة بملايين القنابل التي أمطرها الأمريكان على رؤوس العراقيين، أم ملايين الدولارات التي سُرقت ونُهبت أو حوّلت إلى أهالي المسؤولين خارج العراق، وملايين البراميل التي سُرقت من نفطنا على أيدي الميليشيات والعصابات الإجرامية، والملايين من حبوب الهلوسة والمخدرات والمعلبات الفاسدة التي دخلت العراق عبر تسهيلات حكومية، وملايين أخرى لا حصر لها في عراقنا الجديد.
أظن أن الفرق أصبح واضحاً بين الرياضيات التحليلية والرياضيات الاحتلالية أما الذي لا يزال مصراً على عدم فهمه الفرق متذرعاً بشتى الأسباب فليس لنا سوى أن نردد المثل القائل (لكل داء دواء يُستطبّ به إلا الحماقة فقد أعيت من يداويها).

* كاتب ومفكر عربي من العراق
عزالدين بن حسين القوطالي
عزالدين بن حسين القوطالي
مساعد المدير
مساعد المدير

ذكر
عدد الرسائل : 268
تاريخ التسجيل : 16/12/2006

http://yahoo.fr

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى