العراق المقاوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فقيد البعث الرفيق وهيب الغانم

اذهب الى الأسفل

فقيد البعث الرفيق وهيب الغانم Empty فقيد البعث الرفيق وهيب الغانم

مُساهمة من طرف عزالدين بن حسين القوطالي الإثنين 12 مايو 2008 - 19:36

وهيب الغانم...من النضال إلى العطاء..

ومن الحياة إلى الخلود





اسمحوا لي بكلمة أوجهها إلى فقيدنا الغالي:
كم كنت أتمنى يا وهيب أن تكون مكاني وأن أكون مكانك!.. أن تكون مكاني بشبابك وعنفوانك ونضالك وعطائك. وطبيعي أنك حين تأخذ مكاني هذا سوف تتحدث عن طفولتنا المشتركة في حي الجديد في إنطاكية، وسوف تستعرض ذكريات الصراع العربي ضد الطغيان التركي ـ الفرنسي. وكيف كنا نخوض معارك الحجارة مع الأتراك، وربما ذكرت كيف أنني كنت أحسن التصويب بالحجر وأصيب حيث أريد، وكنا في كل معركة نحمل جرحانا كما كان الأتراك يحملون جرحاهم، وكان التدخل الفرنسي بالسيارات المصفحة انحيازاً كاملاً لدعم الأتراك ضدنا.
انه القدر الذي لا مفر منه نحن المؤمنين بقضاء الله وقدره، فقد أخذتُ موقعي هذا لا لأرثيك وأنت في نظري ممن لا يرثى لأنه عصي على الموت، أنك تعيش خالداً بيننا وبين جميع عارفيك، أنت الذي كانت تسري في عروقك قضايا العروبة كلها: من تحرير اللواء، إلى تحرير الشعب وسيادته، إلى تحرير الوطن العربي.
وحين دخل الجيش التركي إلى اللواء هاجرت ومعك ألوف المهاجرين إلى الوطن الأم سورية العزيزة، وحين انتقد بعضهم هذه الهجرة واعتبرها انهزاماً قلت قصيدة عصماء وفيها بيتان ترد عليهم:
ولما هزنا للمجد شوق
طلبنا العيش نفياً واغترابا
إذا كان السيوف بها حنين
إلى الهامات فارقت الترابا

غداً تمر الأيام والسنون، ونفارق دنيانا الثانية، وتبقى ذكراك حية في المجتمع العربي: إذا ذكر العلم والفكر ذكرت، وإذا ذكر النضال العربي وقفوا أمامك خاشعين، وإذا ذكرت الأخلاق نلت حظك من التقدير والاحترام.
هاهم إخوانك ورفاقك وأحباؤك، جاؤوا ليعززوا حبهم لك في حفل أربعينك وما جاؤوا ليودعوك لأنك حي في ضمائرهم، ولأنك خالد بما أعطيت وبنيت، ومن خلال أجيالك التي التزمت بخطك الرائد، واقتدت بسيرتك الشماء، وليقولوا لك: انهم على العهد باقون ليكملوا البدايات العربية الأصيلة التي بدأتها.
إن هذه الوفود الكبيرة التي رافقتك في تشييع جثمانك الطاهر، وسدت السبل في مدينة اللاذقية، هذه الوفود التي جاءتك من قرى المحافظة والمدينة، ومن المدن السورية كافة ومن اللواء السليب، كان هذا اعترافاً بفضلك في ميدان الإنسانية التي عشتها من خلال مهنتك، ومن خلال مداخلاتك المادية والمعنوية في حل مشاكلهم، وما تركته من آثار كريمة في ميدان النضال الذي وهبت نفسك من أجله. وهو التقدير لك فيما بشّرت ودعوت وناضلت من أجله.
إن روحك الطاهرة تحلق اليوم في أجوائنا وتتعرف على أحبائك وأصدقائك، وهي تحمل إلينا كل جليل من ذكرياتك في مسيرتك العطرة الزاخرة بالعطاء الثر.
أيها الراحل الكريم!.
من ذا الذي يئس وقفاتك المشهودة وفي الظروف الصعبة القاسية، حين كنت تقف أمام الجماهير خطيباً لامعاً تبشر بخط حزب البعث العربي وسياسته وإرادته، وتدعو هذه الجماهير إلى حمل مسؤولياتها في خوض المعارك ضد الإقطاع العريق والبورجوازية الحاكمة، وضد العمالة والتبعية، وضد الأحلاف الاستعمارية..
لقد كنت في حياتك صلباً قاسياً مع أعداء الشعب، كما كنت ليناً وديعاً مع هذا الشعب الطيب الذي طالما اعتبرته مادة الثورة وهدف الثورة.
لا أزال أذكر يوم دعيت إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لتلقي محاضرة فيها، وخيّرتهم بموضوع حول مبادئ الحزب في الوحدة ـ الحرية ـ الاشتراكية ـ الشعبية ـ الانقلابية، واختاروا (شعبية الحزب) وهو بحث ما طرقه الباحثون البعثيون، وبدأت هادئاً بالحديث المبدئي الموضوعي ثم ارتفع صوتك كشلال حين وصلت إلى النضال الشعبي وأعطيت لمحات جديدة وفكراً جديداً في تعريف الشعب وحقوقه، وأمثلة من تاريخنا العربي وتاريخ العالم، وطموح الحزب ونضاله من أجل أن يأخذ الشعب مكانه الطبيعي في دورة الحياة العربية، ونالت المحاضرة استحسان الحضور، وكان من الممكن أن تكون هذه المحاضرة إثراء لفكر الحزب، إلا أن المؤسف له أنه لم يسجل لأنه كان ارتجالاً، ومن عجب أنه لم تدعم شعبية الحزب بدراسات بعدها.
لقد آمنتَ يا فقيدنا بالشعب العربي هدفاً للقضية ووسيلة إليها، لذلك كنت مع الفلاحين والعمال والحرفيين، مع الموظفين والمثقفين وسواد الشعب، بل انك كنت تؤكد انه لا هدف يعلو على الشعبية، فالوحدة دون الشعب المسؤول فيها تدور في فراغ، والاشتراكية دون قيادة الشعب سوف تتعثر وتفقد طريقها، والديمقراطية والحرية للشعب ومن خلاله ومن أجله لأنها تأكيد على سيادته.
أليس من حق الأنظمة البورجوازية الحاكمة أن تتصدى لك وتحاربك لأنك تسلبهم حقوقاً مزيفة أخذوها إرثاً أباً عن جد، وهذا يفسر لماذا كانوا يصرفون الأموال الطائلة لشراء الضمائر ليمنعوك من الوصول إلى قبة البرلمان، وحين كان شراء الهوية بمائة ليرة وعلى رؤوس الأشهاد، وكانوا يعترفون أن سقوط اللاذقية تهديد لهم في القطر كله.
وكان الشعب بالمقابل متعلقاً بك، أنت الذي عالجت الآباء والأبناء بما عرفت من إنسانية، ما طالبت بأجر المعاينة يوماً، وغالباً كنت تشتري أدوية العاجزين.. كيف لا يخشونك وأنت الذي اتخذت من عيادتك مدرسة لطلاب الشهادات مساء، وشجعت الشباب على نهل العلم بالانتساب إلى المدارس، وغرست في نفوسهم الثقة ليصبحوا طليعة شامخة لا تحني هامتها إلا لله جل جلاله وللحق.
لقد تساهل حزبا الشعب والوطني مع خصومهما في كل المحافظات ولم يبالغا في أساليبهما المفضوحة، إلا في محافظة اللاذقية، لأنهم كانوا يعرفون أن نجاحك فيها انهيار لأهم قلاعهم وتأثير كبير عليهم في المحافظات الأخرى، ومع كل هذا فقد انتصرت عليهما ودخلت البرلمان السوري أكثر من مرة.
لا أزال أذكر أبياتاً من الشعر رددها الشعب حين رشحت نفسك للانتخابات وضعت تحت صورتك:
أجب دكتور عنا إن سئلنا
مللنا القبر أحياء مللنا
إذا انفجرت صواعقنا وملنا
على الدنيا بماردنا الجديد
ستفهم جيداً لغة الرعود
لقد كنت في نظرهم هذا المارد، وان آراءك كانت كالرعود تصم آذان خصوم الشعب، وتولد الهلع عندهم.
لا أزال أذكر يوم ذهبت إلى بغداد مع الوفد البرلماني السوري، وجاءكم رئيس الوزراء نوري السعيد ناصحاً ومهدداً، وما نسي أن يهاجم حزب البعث العربي الاشتراكي واعتبر نفسه وحدوياً أكثر منه، وانبريت له تقول:
ـ لماذا تتجاهل الحقائق وأنت الذي ليس لك موقف واحد من الوحدة، وهل كانت دعوتكم للوحدة في الخمسين وحدوية، إذ كيف يمكن للوحدة أن تقوم بين سورية والعراق والعراق في ظل الاحتلال البريطاني والحكم الملكي!.
ـ لماذا لا تنفتح على العرب وهم أ هلك وإخوانك!.. لماذا لم تفتح قنوات الماء إلى الكويت ليشربوا الماء الزلال بدل مياه الآبار، وأنت تلقي بماء شط العرب إلى البحر!.
ـ ما الذي يمنعكم أن تقدموا المساعدات للدول العربية الضعيفة وأنتم على ما أنتم عليه من الثراء بدل أن تقدموها للعملاء!.
ـ ما الذي يمنعكم من أن تنسقوا مع العرب لحل مشاكلهم بدل التنسيق مع بريطانيا والمستعمرين!.
ـ لماذا التزمتَ بحلف بغداد، وهو الذي سمي بـ(الحلف المركزي) من خلالكم، فتحالفتم مع تركيا والباكستان وإيران وبريطانيا لتساعدوا الغرب في حصار الاتحاد السوفيتي، ولماذا لا يكون الحلف بين العرب بدلاً من الأجانب ولمصلحة العرب!.
ـ لماذا تنسقون مع حاكم الأردن ولبنان شمعون، ولا تنسقون مع سورية ومصر ودول الخليج!.
وثارت ثائرة نوري السعيد وادعى أنه أبو الوحدة وأن العراق بروسيا العرب، وبعد أن تهكم على الدول العربية قال: أين هم العرب!.
أيها الأخوات والاخوة!..
عفوكم على هذا الاسترسال، إنني أحترم التاريخ، وهذا تاريخ ما أهمله التاريخ. فقيدنا الراحل أعطى حين عز العطاء، أي حين كان النضال والعطاء مسؤولية، وتبنى بناء الأجيال فوق ما يستطيع مناضل، ودفع الضريبة حصاراً ومطاردة، وسجوناً وتعذيباً، لقد زار مختلف النظارات في اللواء وسورية وخضع للمحاكمات، وزار سجون القطر كافة وأقام طويلاً في سجني تدمر والمزة، وكانت له آثاره الإيجابية على المساجين من حيث بشّرهم بالأمل الجديد بالبعث العربي، وما خرج من السجن إلا وكان له رفاق فيه. إنه حزمة ضوء تنير دائماً، وطاقة لا تتوقف عن العطاء، ما تراجع عن قناعاته، ما وهنت خطواته، ما جبن في مواقفه، ما استسلم للتهديد والوعيد، ما خضع للإغراء، وإنما كانت حياته صراعاً لا هوادة فيه إلى أن لقي وجه ربه.
عسير علي في هذه العجالة أن أعطي صورة كاملة عن حياته ونضاله وعطائه، فقد كان حركة دائبة لا تعرف التوقف، وكان كالطود الشامخ الذي لا حدود لقمته، كما كان كالماء النمير الذي لا نظير لصفائه، وما أروعه حين كنا نشبهه بالشلال الهادر حين يلقي خطبه مع جموع الجماهير الثائرة ضد مشاريع الاستعمار وانحرافات الفئات الحاكمة المتعاونة معه.
لقد اختار فقيدنا هذه المدينة المناضلة التي دعيت (بلاذقية العرب) مقراً لعمله ونضاله، هذه المدينة التي أحبها وأحبته، وأخلص لها وأخلصت له، ورغم كل الإغراءات الحزبية والمادية كي يأتي إلى العاصمة فقد بقي مؤثراً لها مرتبطاً بها.
أختم كلمتي هذه بتعريف فقيدنا الراحل من خلال التاريخ:
1 ـ كان الفقيه قبلة أنظار عرب اللواء في الثلاثينات، لأنه خطيبهم اللامع، ومندوبهم للمفاوضات عن عرب اللواء.
2 ـ كان أحد أعضاء وفد اللواء إلى قرنايل (لبنان) عام 1933 لإعلان قيام عصبة العمل القومي. وأقام مع المرحوم الأستاذ الأرسوزي فرعاً لها في اللواء.
3 ـ كان العضو المؤسس مع الأستاذ الأرسوزي لحزب البعث العربي في دمشق عام 1940. وكان بيته في السبكي مقراً أول لهذا الحزب.
4 ـ كان أول طبيب عربي في اللواء تخرج من الجامعة السورية.
5 ـ بعد تخرجه عام 1943 من الجامعة اتخذ من اللاذقية مقراً لحزب البعث العربي، وإلى اللاذقية توجهت إليه قيادة البعث في دمشق مؤلفة من السادة ميشيل عفلق وصلاح البيطار ومدحت البيطار ولفيف من الأعضاء وذلك عام 1946 من اجل دمج الحزبيين في حزب واحد. تم الاتفاق على إعداد دستور من كل طرف لمناقشته في المؤتمر التأسيسي في دمشق من 3 ـ 7 نيسان 1947.
6 ـ بعد المؤتمر الأول انتخب فقيدنا الراحل عضواً في المكتب التنفيذي للحزب، وعدد أعضائه خمسة. انتخبوا من صفوفهم الأستاذ ميشيل عفلق عميداً للحزب.
7 ـ وكان فقيدنا الغالي هو الذي وضع مسودة بيان الحزب في مناقشة مشروع الاتحاد السوري ـ العراقي عام 1950.
8 ـ وكان فقيدنا هو الذي قاد معركة الريجي التي مركزها اللاذقية، وتحقق للحزب بعد ألوف البرقيات ومئات ألوف التواقيع وعشرات المظاهرات، وبعد المظاهرة الكبيرة في حلب التي قدمت عشرات الجرحى، تحقق تأميم الريجي والترام والكهرباء، وهي جميعاً امتيازات فرنسية في سورية، وتعتبر عملية التأميم هذه أول عملية تأميم ليس في سورية وحسب، وإنما في الوطن العربي.
9 ـ سمي وزيراً للصحة عن الحزب عام 1955.
10 ـ قاد فريق البعث العربي في الحوار مع العربي الاشتراكي من أجل عملية الدمج بين الحزبين عام 1952.
11 ـ من مؤلفاته المخطوطة ترجمته لخطب فخته إلى طلاب الجامعة في برلين.
ومن مؤلفاته المطبوعة كتابه (الجذور الواقعية والفكرية لمبادئ حزب البعث العربي) عام 1994، وله ديوان شعر قومي اجتماعي بالإضافة إلى أشعار الزجل الشعبي. وله مالا حصر له من المقالات المنشورة في صحيفة البعث خاصة والصحف والمجلات السورية واللبنانية.
أليس من حقي بعد هذا أن أقول: إن القادة الحزبيين والمناضلين في التاريخ لا يموتون. فأقوالهم ومواقفهم وعطاءاتهم تبقى حية في ضمير الشعب يرددها بزهو ونشوة، ويحذو حذوها من خلال قدوتهم بالقائد.
إن الآثار التي تركها فقيدنا في اللاذقية وسورية والوطن العربي لا يمكن أن تمحوها الأيام. لا تختزن الذاكرة تاريخ القادة المناضلين وحسب، وإنما يتغلغل هذا التاريخ في الفكر والمشاعر والضمائر، وهنا تبدأ حياتهم الجديدة.
هذا فقيدنا الغالي أبو نمير الذي قدم للوطن دكتوراً في الهندسة وثلاثة أطباء اختصاصيين، هم نمير ونشوان وتيم وكنانة لينضموا إلى رفاقه الذين فوق الحصر يذكرون فضائله وسجاياه لأنهم ينهلون من منبعه الصافي الغزير.
رحم الله الفقيد رحمة واسعة، وفي جنان الخلد..



عزالدين بن حسين القوطالي
عزالدين بن حسين القوطالي
مساعد المدير
مساعد المدير

ذكر
عدد الرسائل : 268
تاريخ التسجيل : 16/12/2006

http://yahoo.fr

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى