العراق المقاوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الدكتور عبد الرحمان منيف : البعثي الذي رحل واقفا

اذهب الى الأسفل

الدكتور عبد الرحمان منيف : البعثي الذي رحل واقفا Empty الدكتور عبد الرحمان منيف : البعثي الذي رحل واقفا

مُساهمة من طرف عزالدين بن حسين القوطالي الجمعة 29 أغسطس 2008 - 13:50

الدكتور عبدالرحمن منيف
البعثي الذي رحل واقفاً


يوسف مكي*



فجعت الأمة العربية والإنسانية جمعاء برحيل المناضل والمفكر والكاتب والروائي العربي الكبير المبدع الدكتور عبدالرحمن منيف، الذي وافته المنية إثر نوبة قلبية، في مدينة دمشق فجر يوم الجمعة بتاريخ 1 ذي الحجة 1424هـ الموافق 23 يناير عام 2004م. وبوفاته انتهت رحلة طويلة، استمرت أكثر من سبعين عاما، قضاها الفقيد في المنافي والاغتراب والمعاناة والإبداع والعطاء المتميز والمرض العضال.
وحين تستعرض السيرة الذاتية لكاتب كبير في حجم الدكتور منيف، تغدو الوسيلة الأسهل والأفضل هي استعراض محطات عطائه وإبداعه. فالكاتب في نهاية المطاف هو نتاج البيئة التي عاش وتأثر بها، وأعماله وإبداعاته، ضمن هذه الرؤية، هي رواية أخرى يحكيها عن سيرته الذاتية ورؤاه وتصوراته، يسقطها على الشخوص والأبطال الذين يصنع منهم أدوات لعرض آرائه ومعتقداته ورغباته وأحلامه. ومما لاشك فيه أن الراحل قد أسهم في تأسيس رواية عربية جديدة, منفتحاً على قضايا العصر وهموم الإنسان العربي ومستعيناً بالتاريخ مرجعاً لقراءة الواقع وتحولاته.
لقد كان الراحل الفقيد بين قلة أنجبتهم هذه الأمة، احتضنوا آلام الناس ومعاناتهم، ولم تكن لهم رغبات أو أحلام فردية خاصة بهم. فقد كان من خلال سيرته وعطائه وسلوكه يؤمن إيمانا عميقا أن الحلم حين يكون فرديا، يكون مجرد خيال وتصور ووهم، أما حين تحلم أمة بأسرها فإن ذلك يغدو محرضا على التفاعل الإنساني والعمل المشترك، وذلك هو الخطوة الأولى في بداية السير على الطريق الصحيح. وقد عبر عن ذلك بوضوح من خلال الصور الرائعة التي رسمها في أعماله الأدبية. فلم يكن السرد الروائي للراحل الكبير، على سبيل المثال، في معظم صفحاته تعبيرا عن شخصية محددة أو أكثر، أو وصفا لحدث فردي بعينه، وإنما، في أغلب الأحيان، كان تعبيراً عن أحاسيس ومشاعر ومواقف ودراما وأحداث جماعية.
وكان الدكتور منيف في جميع أعماله الفكرية والروائية رافضا للواقع العربي الراهن، باعتباره يشكل نمطا لسيادة قوانين وأنظمة الاستبداد والقمع، والانسحاق الإنساني وغياب حرية التعبير. وقد عبرت رواياته بوضوح عن رفض مطلق لهذا الواقع. ومن هنا كان التركيز في مجمل أعماله على تقديم نموذج جديد للبطولة الروائية المضادة للبطولة التاريخية، والمعبرة عن صرخة مدوية لرفض الظلم والاستبداد. إنها كما يقول الأستاذ عبدالرزاق عيد بطولة اللا بطولة.. إنها البطولة التي ترى كل معاني البطولة وقيمها وسموها ونبلها في الحياة. فهي بطولة العصر العربي الراهن الذي يعيش في زمن التردي والانهيار والسقوط، والبحث المضني عن هوية ومستقبل ومكان جدير بالحياة فيه في هذا الكون، وفي هذا الزمن المليء بالمتغيرات، والذي تقاس فيه سرعة حدوث التحولات، بقياس سرعة الضوء. لقد عبر الراحل عن ذلك بوضوح حين اختار فقرات من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليتصدر رائعته شرق المتوسط، وكانت مقدرة الفقيد الفائقة على التصوير مبعث تساؤل وإعجاب من قبل كثير من المبدعين العرب. وقد تمحور السؤال عن الكيفية التي أمكنت للراحل فرد كثير من الخيوط، وتركها تنفلت متحررة باتجاه عوالمها الصغيرة، ليبقى قادرا في الوقت نفسه، على فتح قنوات التواصل بينها، فإذا هي بحسب وصف الأستاذ يمني العبد، فيما تبدو متجهة نحو هذه العوالم، تكتفي ضمن عالم مجتمعها المشع المفتوح على مزيد من التحول والاتساع.
ويكشف الأستاذ محمود أمين العالم عن جوانب أخرى في أعمال الفقيد، حيث يشير في جملة قراءاته لروايات الدكتور منيف إلى أنه إلى جانب رعشاته الشعرية، الضمنية والجهيرة، يتحرك في داخل رواياته حس شعري شفاف عميق عام، صادر عن تلك المودة الحارة الرقيقة الصادقة التي تشع من تعبيرها الحاذق وعمقها الاجتماعي والفكري وتصويرها الأخاذ للأحزان والمباهج والقيم والصداقات والأشواق والتساؤلات والمحن الإنسانية.
وكان بالإضافة إلى ذلك يتمتع بقدرة متميزة على رسم صورة تفصيلية ودقيقة وواسعة للمسرح الذي يتخذ منه قاعدة لصياغة رواياته. ومن هنا لم يكن غريبا، أن يصبح كثير من أعماله وثائق تاريخية واجتماعية رصدت، حسب وصف الروائي الكبير، جبرا إبراهيم جبرا، فترة من أخطر الفترات في التاريخ العربي المعاصر، كتبت التاريخ ولم تكن كتابا في التاريخ.
ومن هذا المنطلق نجده حاضرا بقلمه وشخصه، في كل عمل جدي يهدف إلى تحقيق النهضة والتقدم للأمة العربية.. تجده مع التنمية المستقلة والحرية السياسية وتحقيق المشاركة الشعبية في صناعة القرار، ومع ثورة الجزائر وتحرير المغرب العربي من الاستعمار الفرنسي، ومناصرا لثورة الشعب في الجنوب اليمني ضد الوجود البريطاني، ومعضدا للمقاومة الفلسطينية الباسلة، ونصيرا لانتفاضة أطفال الحجارة، ومنددا بالاحتلال الأمريكي لأرض الرافدين، ورافعا راية حقوق الإنسان.
وكان عربي الانتماء وإنساني المنطلق، بكل ما تحمله كلمتا الانتماء والإنسانية من معني، ولذلك نجده يخترق الحدود والحجب ويكتب عن قضايا فكرية وقومية، ويتناول قضايا لا تخص قطرا بعينه. وقد عكست أعماله الفكرية والروائية هذا التوجه. ففي مدن الملح يتناول التطور السياسي والاجتماعي والتحولات التي صاحبت عملية الانتقال من البداوة إلى النفط في المملكة العربية السعودية، معتمدا أسلوب الرواية التاريخية. وهو في أرض السواد يتناول المحاولات الأولية التي قام بها العراقيون في عهد الوالي مدحت باشا لتحقيق الاستقلال الاقتصادي عن السلطنة العثمانية. وهي محاولات لم تلق كثيراً من الاهتمام من لدن الباحثين والمؤرخين كتلك التي حظيت بها محاولات الاستقلال التي قادها محمد علي باشا في مصر. وفي روايات عديدة تناول التطورات السياسية في بلاد الشام.
ولد الكاتب الراحل في مدينة عمان بالأردن، عام 1933م، من أب سعودي وأم عراقية، وأنهى دراسته الثانوية فيها، ثم انتقل إلى بغداد لإكمال دراسته الثانوية، حيث درس في كلية الحقوق، وبقي هناك حتى عام 1955م حيث فصل مع عدد آخر من الطلاب العرب، بسبب نشاطاته السياسية ومعارضته لحلف بغداد وعمله في صفوف البعثيين.
ثم انتقل إلى القاهرة، حيث التحق بجامعتها، ومن ثم غادر إلى يوغوسلافيا عام 1958م حيث التحق بجامعة بلجراد لدراسة الاقتصاد، وحصل على درجة الدكتوراه متخصصا في اقتصاديات النفط. وبعد إكمال دراسته عاد إلى بيروت، في محطته الأولى بعد الدراسة ثم انتقل إلى دمشق عام 1964م حيث عمل في الشركة السورية للنفط بدمشق، وشركة توزيع المحروقات ومكتب توزيع النفط حتى عام 1973م. وبعد ذلك عاد مرة أخرى إلى لبنان، حيث عمل في مجلة "البلاغ". وفي تلك الحقبة أصدر بداية رواياته (الأشجار واغتيال مرزوق). ومن ثم انتقل إلى العراق، حيث بقي يعمل هناك رئيسا لتحرير مجلة النفط والتنمية ومستشارا في الدائرة الاقتصادية بمجلس قيادة الثورة العراقي, في عام 1981م، غادر الدكتور منيف العراق إلى فرنسا, حيث تفرغ نهائياً لكتابة الرواية. عاد عام 1986م إلى دمشق, وأقام فيها حتى وفاته.
من مؤلفاته: الأشجار واغتيال مرزوق, قصة حب مجوسية, شرق المتوسط, حين تركنا الجسر, النهايات, سباق المسافات الطويلة, عالم بلا خرائط, بالاشتراك مع جبرا إبراهيم جبرا, "مدن الملح" - خماسية:, التيه, الأخدود، تقاسيم الليل والنهار, المنبت, بادية الظلمات, الآن هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى، الديمقراطية أولاً - الديمقراطية دائماً, مروان قصاب باشي - رحلة الحياة والفن, أرض السواد (3 أجزاء), سيرة مدينة, لوعة الغياب, رحلة ضوء, بين الثقافة والسياسة, عروة الزمان الباهي.
في تقديمه لرواية شرق المتوسط يقول الراحل: "في زمن ما وعلى هذه الأرض الغبراء الممتدة إلى ما لانهاية، من شواطئ المتوسط وحتى الصحراء البعيدة، كانت أشياء كثيرة تحدث، وكانت أشياء كثيرة تمر بصمت. والإنسان على هذه الأرض كان يتحدى. وفي ظل التحديات كانت دائما السجون والتعذيب والاغتيال، حتى جاء وقت أصبح فيه الإنسان أرخص الأشياء وأقلها اعتبارا, شرق المتوسط رواية تحاول أن تكون صرخة في جو الصمت، تنبيها، في الوقت الذي تبدو في الأفق غيوم سوداء كثيرة زاحفة، لعل شيئا يحدث قبل أن يدمر إنسان هذه المنطقة ويصبح مشوها ولا يمكن إنقاذه. إن شرق المتوسط لا تعني أحدا، وتعني كل الناس أيضا". انتهى الاقتباس.
صدر آخر كتاب له تحت عنوان: العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة، والكتاب هو عبارة عن ملاحظات دونها الراحل أثناء كتابته لروايته أرض السواد، شملت مواقف وصوراً عن المقاومة العراقية في ثورة العشرين، وحين حدث الاحتلال الأمريكي للعراق وصودرت دولته وهويته أراد الفقيد أن يشارك في عملية التحريض على المقاومة من خلال تقديم صورة واضحة عن إباء وشموخ العراقيين ورفضهم للعدوان والاحتلال، وأن يواصل الدور الذي بدأ به حياته... لقد استمر منيف في رفضه وعنفوانه، صرخة مدوية وقلما مسلطا في وجه الظلم والعدوان ورحل عنا واقفا في وقت نحن أحوج ما نكون إليه.
عزالدين بن حسين القوطالي
عزالدين بن حسين القوطالي
مساعد المدير
مساعد المدير

ذكر
عدد الرسائل : 268
تاريخ التسجيل : 16/12/2006

http://yahoo.fr

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى