جراح لترانيم مالحة... الشاعر جعفر إبراهيم

جراح لترانيم مالحة

جعفر إبراهيم



الترّنيمة الاولى:
شاهد على جرحي /غرّبني الألم/ وأحرق أهدابي المطر
ما عاد لعينيَّ ظلّ / تموت الظّلال حين غروب الشّجر
كاد يستبيحني المدى / فلا تطلق على الاغاريد/ إن توهّجت
قد يضيع الصّوت / ويتلاشى الصّدى
وأغانيّ لا تشفق على الّلحن / حروف المووايل / بمزّقها الحدا
وعلى سير الجراح / قد يزهر فرحا" الحجر
شاهد على استشهادي / سبّابتي رمح / وتصير قلما" / .. سوسنة"
وجناحا" على وتر
أما اّن لهذا الليل .. / حتى يألق على مدّ هذا الجرح الزّهر؟!
_2_
لن أخلّ بهذا الدّم / ضاق صدري / وأمي حافية القدمين
أكل كعبيها النّمل / والسّهوب لا تلوي على قمح / سافح سنابلها الجراد
واستبدّ بسنا خصبها الشّرر
وشاء دربي أن أحرق الرّصيف
حتى غرست في اثلام كفيّ الشجر
فمن يجمع أشلائي / إن تشظىّ جسدي/
وانحنى على قوس الرّدى مطر
لن أخلّ بوعد / إذا ما الشّام أباحت أغنيتي
والكنانة أسرفت بالزّنّ على الوتر
فلمن أغني الآن / قد شاب الحلم
وأحرق الصّيف الثمر؟!
وأعتذر لمليكتي إن أشركت بالسّنا
وحطت عصافير الجمر على سوار القمر
واوسوس بشذى ما أنزل بي
فلي كتاب الرّعد ولي أحصنة الغمام
من رحيق الشّام سمرة شهدي
إن أضأت بكيت / وإن غنّيت اكتويت
وعلى إيقاع من نيل / رنّمت تراتيلي
يا نيل صومعتي تحترق / فهلاّ تقبّل حميم مواويلي
وإن هلّلت لصلاة الفجر
هلاّ تطلق أبابيلي ؟!

الترّنيمة الثالثة:

ساورني الفرح / إذ رأيت رؤسا" تهوي
وجراحا" عزلاء تغوي جسدي
ورأيت قلاعا" يبتلعها غبار السّاحات
ولمحت في مهبّ مالح أمي
تحمي بالكف الأيمن سرّتها / وبالأيسر صدري
فاغرة المبسم / ذاهلة الشروق
قلت: أهذا الصبح؟!
صرخت : أما لهذا الفجر
أما لهذا النّيل
أما لهذا الدّم أن ينجلي؟!
لن أجادل بيبابي الآن / أيا شام
انتظرتك والصّبا / مخاضا" بهيا"
وانتظرتك أما" تلدني / صبيّا" أو نبيّا
وحتى يصبح شرقي فجرا" / فلا تبتئسي
إن أعلنت صدرك ثدي الشروق
وبطنك حرث الحساسين لبيض الأغاريد
تبطن أجنحة" لورد نديّا
يا شام / لي فيك مآرب أخرى / غير ما تضمرين
ولي فيك دموع لمّا تحترق بعد
ولي من جلدي على شفار سياطك
ومن نومي / أحلام حفرتها على جدران زنازينك
ومن أمي / كوكب تشظىّ في ليل فوديك
ولي شعر قد شاب في عتمة عينيك
وهذا الخوف / وهذا القلب الواجف
عندما تمرّين في البال
وهذا الحزن الدّفين / لي
ولي في جوفك قبر
وأدني أبدا" ولفظي زبد
وما كان لي حجّة
إلا أن / أحد/ أحد
*****

ترنيمة رابعة:
للقيامة حين لا جدل فيه
ولا شك يعتري شوك الجلاجل
صعودا" نسمو
ونسنوا على سلالم البريق
إلى خمائل الدّم
ونعود كالأطفال أنبياء
نلثغ بحروف الذلّ
ونفصح بألسنة الأولياء
كانت كلّ اللّغات شجرا"
إلا لغة النيل حملتني إلى أقاصي الورد
وكان عطر زليخة يتّبعني كظلي
قالت:
عيني على يوسف برّحه الشّوق
وجفّت تحت جبهة سجوده الرّطب
يا مصر حرّمي على معصميّ القيد
والحرث في الرمال
حرري إيماني فقلبي يشوبه الظّلال
يا مصر احتفظي بنطفي
حتى ينطق الرّحم
يا مصر لما نرى العيد بعد
ولن نفطر الى أن ينزف نجوره الهلال
يا مصر
سيف العاشق نهر العشق
ووسكين القاتل شرك الغدر
يا مصر
لم تتهادى الأشرعة فرحا"
حين تلفحها الأجنحة بالأحلام؟
وأنا أغزل على نول الشغاف
فساتين الأيام
وتونس علمتني كيف أحفر أغانيّ
على صخور شاطئها
وكيف اطرّز ليلا" لقمرها
وكيف يكون الدّمع شاهدة العين
قد سرق رماد محمد
وأنا أعتنق شجو جرحه
ما أخلفت بوعد
لكنّ المساء خذلني
ولهذا الأرق الذّي فيّ
وسائد من شوك
وصباح يطلّ على بلاغة الألم
قد كبت فرس الخضراء
في متاهة من ردى السّنن
ولن أعاتب مصر
على ماء الوضوء الذي سلبتني
فصعيد الجرح أطيب
ولسوف أعفِّر وجهي
لصلاة الفجر القادم من فوهات الحناجر
ونبض الشهداء
وعود على بدء
الشّام صومعتي
سدرة المرتجي وزغب قصيدتي
والشّام عيني
على نصل الشروق
وشغف الكلم بلظى اللّسان
مثوى آدم الاب
تفاحة الأنثى
وتوتر اللحن على قدّ الخزام
قامة الرّمح ومهبط القمح وسنى الصّبح
إذا ما سقط اللّثام
سرّة الدنيا الشام
وياسمينة قاسيّون
تنحني لتلامس ناصيتها الشّمس
ويهمي على أنوثة الشّفاه / مطر الكلام
أيا الشّام / أوّاه / وّاه/ أيا الشّام
وتتساقط رطبي إن هززت قلمي
مخاضك عسير
فتمسّكي بهدب الرّب
واهمسي بالوله المسطّر في مزامير رسلك
وشمي من شذى الغوتطين
عميقا عميقا
حتى تلدي من جديد بردى
وان راودك الصليل
فلا تهدلي
فأحلام اليمام
تدمي النبض من رؤيا الحسام
قالت أمي:
لما تزل تشرق وفي أوان من موت
يكسر في صور البصيرة
قلم السّلام

*****
ترّنيمة سادسة:

ردّني من صبوتي
إني آمنت من بعد كفر
ولن أقرب الصّلاة
إلى أن يأذن لي يمامك بالهديل
وإلى أن يقترب فجرك من هامة السّيف
سوف أنحر
هي الشّام/
شهقة الصحراء/
وبداية السّناء/
وفتنة الهيام
وعلمت بأنك منابت الصّبر
بيضاء /.. ملساء/ ..سمحاء
ناقة من رعيل ضامر
حليبها لا يشّابه به
ولا يشوبه رغاء
وبأن ذبالة قنديلك
زرقاء البسمة/
تضيء النفوس للقادمين/ باسم الدّم
حتى أسلمت إليك حرفة القلب
ووشمت شغافي بكحل لحظك
وامعنت بالخفق / حتى اخضل حبر البيان
سليل جبلك / أنا
صخرتي معراج البلابل
إلى فضاء القمح في عينيك
فلا تدعي الجراد يسافح عشب الخمائل
وضمخّي صدرك برحيق النّدى
حتى ترضع الملائك عشق الياسمين
وان في كتاب عينيك مزامير الحرّية والخبز/
فترأفي بالخلق/
يا أمّ المؤمنين /
*****
ترنيمة سابعة :
راقص على هدب السّيف
وليّ الجمر أنا
أحترق فعل الألم
وفعل الغواية بالدّم
روّضي فرسي فأنا على يقين من جموحي
وأروم فضّ جنائن أميّة فيك
دلّيني على فرحي
إني شغوف ببسمتك
قولي:
هذا فرحك
أيا عرّافة المرح
إني افتقدت الدّرب
مفازة متاهي إلى وله العاشقين
وإني أفرخت في أعباب مآذنك
أيا وكنة المدى
فجنحي الا في ندى صباك / لا يلين
واوقد حدسي على جمرة الجرح
فاحس بلهيب الجسد المعتق
في كروم الرّغبة
والموقّع على إيقاع السّنابك
تذهّب رمال الميادين
وتميضين على تراتيل الصّليل
ضبحا" مقفيّ
وأرنو إلى تمايل خصرك
يراقص الشّمس على قباب المستحيل
وأذكر:
كانت أمي تزّنر قدّها بالشّام
وتمضي على دروب الرّنين.
*****
ترنيمة اخيرة :

من قال:
السّماء عاقرة / لا تنجب أربابا"
وأقمارها تعانق كأس الظّلمة
على أفنان الليل الطّويل
قد تلوى أعناق الحكايا
في زمن القصّ
وقد تألم لمخاض كاذب أمي
قالت:
إني رأيت الشّام تذرفها مقل الجليل
ورأيت أشلاء القدس على سارية
تبحر في بحر غزّه/ لا أدري إلى أين
قلت:
إلى أيّ وطن بديل؟!
قالت:
خان ذاكرتي السّنونو / وانحنى كوكبي
تكسّر جسر لعبور هزيل
وانا لا أجيد إلا الألم / الذي يذرفني من جرح نبيل
وأتوسّل: أيا الشّام
من يحملني على الطّير
ولي في انكسار بردى جناح يحترق
وعلى فرس من تغريبة النّيل
عصفور قتيل؟!
من قال: بأنّ وجعي عاري الأوصال
وتذيبني تونس
مخضّبا بجذوتي غلالة وردتها؟ّ!
ألم يرى اليمن كيف تفتك برؤياي
وتشتّت قلبي
حتى لا أرى إلى أيّة قبيلة أميل؟
وأصرخ ملئ ألمي:
أيا أم ألا تدركي أنبياءك
وأنا في الّرمق الأخير من عمر الأثير
ويخلد للنّوم / في حدائق سرّتك بردى
وننتظر ربيع الفيض/ أيا الشام
ولما نزل في أوائل تشرين
31/12/2013
جعفر ابراهيم