العراق المقاوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الديمقراطية ... دوما وأبدا

اذهب الى الأسفل

الديمقراطية ... دوما وأبدا Empty الديمقراطية ... دوما وأبدا

مُساهمة من طرف عزالدين بن حسين القوطالي الإثنين 20 أكتوبر 2008 - 22:03

الديمقراطية.. دوماً وأبداً




المسألة الكبرى التي تكاد تتحلق حولها سائر المسائل في حياتنا العربية، بل في حياة العالم كله، وهي مسألة الديمقراطية والبحث عن الشكل العملي لتطبيقها. والدرس الذي يجأر أمام الأعين، بعد التجارب العديدة العنيفة التي خاضها الشعب العربي في سنواته الأخيرة والذي تمدنا به خاصة تجربة الوحدة مع مصر، هو أن المشكلات العديدة التي نعاني منها في وطننا العربي، تسقي من منبع كبير، هو الانصراف إلى الحلول الجزئية الهامشية والتهرب من مواجهة الصعوبة الحقة في قلبها وعقر دارها مواجهة صريحة دائبة: ونعني بهذه الصعوبة التوفر على إيجاد الصيغة العملية الصحيحة للنظام الديمقراطي السليم المتلائم مع المجتمع العربي ومرحلته التاريخية.
لقد استطعنا أن ندرك بعروقنا وأعصابنا، لا بأفكارنا وأنظارنا وحدها، بعد سنوات من العسف ومن الحكم الدكتاتوري، أن الديمقراطية هي الجو الطبيعي لتفتح حياتنا، في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والقومية.
وقرت لنا القناعة أن الجدل في مبدأ الديمقراطية جدل عقيم، وأن صوت التاريخ العالمي وصوت التجربة العربية يحدثاننا عن شيء لا ثاني له وهو أن الحياة الديمقراطية هي الحياة الجديرة بالإنسان الحافظة لقيمه، المحققة لرسالته على الأرض. ولم يعد التشكيك في المبدأ الديمقراطي نفسه يلقى صدى أو يستفز نفساً. غير أن المسألة غدت أدق وأصعب، بعد أن تمت هذه القناعة الحيوية العضوية بالمبدأ الديمقراطي: ذلك أن العدوان على الديمقراطية لا يأتيها دوماً من خصومها العلنيين، وإنما يأتيها خاصة عن طريقين: أولهما تزييف الديمقراطية وانتحالها في سبيل القضاء عليها والكيد لها، وثانيهما الاكتفاء بتمجيد المبدأ الديمقراطي، ومنحه معنى مطلقاً بعيداً عن التطبيق، بحيث يتجلى في نهاية الأمر مبدءاً خيالياً، وبحيث يؤول الأمر إلى الابتعاد عنه والتنكر له باسم الواقعية..

أما تزييف الديمقراطية وانتحالها، فأمرهما واضح في كثير من النظم الاستبدادية، وذكرياتنا القريبة في عهد الجمهورية العربية المتحدة أبرز مثال لهما. ذلك أن من مبتكرات العصر الحديث أن الطرق الاستبدادية أخذت تفرض نفسها في حلة جديدة، حلة العمل لخدمة الغايات التي تهدف إليها الحرية والمساواة. وهي: على حد قول "ديوي" مدينة بقوتها الخداعة إلى ادعائها أنها تخدم غايات مثالية. ومن أخطر ما ابتدعه الانسان في عصرنا، اتخاذه المباديء والأهداف حجة للقضاء عليها، وذريعة لاضطهاد الانسان باسم الانسان. وهكذا غدت المبادئ، على حد تعبير ماركس، ضرباً من التتويج الرائع للوحشية والعنف، وحجة للعزاء والتبرير.
وأصبحت المبادئ الحرة، بسبب هذا كله، صنماً ينحت في النصوص ليكون "الشرف الروحاني" للعنف، و"التتمة الرائعة" للوحشية. ولقد شهدنا هذا التزييف للمبادئ في عهد الجمهورية العربية المتحدة في أبشع صوره، وعشنا هذا الانقضاض العنيف على الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان، باسم الإنسان وعلى حسابه، ومن خلال مسوح المبادئ ورنين الأهداف.
ولا يعنينا أن نقف طويلاً عند هذا الجانب الأول من أساليب القضاء على الديمقراطية. فلقد سبق لنا أن تحدثنا عنه طويلاً. وحسبنا أن نقول موجزين أن الالتجاء إلى الطرق الواحدية الاستبدادية المطلقة على حد قول ديوي، "غدر بالحرية الإنسانية، مهما يكن الثوب الذي يتجلى به هذا الالتجاء".
والذي يعينا اليوم أن نقف وقفة خاصة عند الجانب الثاني من هذه الأساليب، لارتباطه الوثيق بالمرحلة التي نجتازها اليوم. ذلك أن أهم عامل من عوامل القضاء على الديمقراطية والتطويح بها أن ننصبها مطلقاً مثالياً يحرمها من إمكانيات التطبيق ويجعل منها بالتالي مبدءاًَ جافاً عميقاً، ويتيح تجاوزها.
فالديمقراطية إما أن تعني تنظيماً واقعياً يسير بالمجتمع نحو حظّ أكبر من الديمقراطية، وإما أن تكون خداعاً ووهماً. وهذا التنظيم لا بد أن يستمد أسسه من طبيعة المجتمع وظروفه، جاهداً في إيجاد الصيغة الملائمة لتطبيق الديمقراطية تطبيقاً يحفظ لها روحها وقدرتها على النماء، كما يجعل منها قوة فعلية خصيباً قادرة على التزاوح مع الواقع. والبحث عن هذه الصيغة الواقعية التي ينبغي أن تطبق الديمقراطية من خلالها في مجتمع من المجتمعات هي المهمة الحقة الصعبة الملقاة على عاتق قادته. والتهرب من هذا البحث والاكتفاء بحلول جزئية مؤقتة، أو ارجاء المسألة دوماً، مواقف لا بد أن تؤدي إلى تنكب طريق الديمقراطية والوقوع في أفخاخ الديكتاتورية. فالديكتاتورية تنمو وتزدهر حيث تخفق الديمقراطية في إيجاد الشكل العملي الصادق.
ولقد دلتنا التجربة في بلداننا العربية خاصة أن الخوف من مواجهة مشكلة الديمقراطية مواجهة جدية صريحة، هو الذي قاد دوماً إلى نكسات الحكم الاستبدادي والوقوع في شراكه. والذي ينبغي أن يقر في ذهننا دوماً وأبداً أن المبادئ ليست جرعاً جاهزة نقدمها، ولا هي عصى سحرية يكفي أن نلعب بها لنصنع منها ما نشاء. إنها لا تكتسب معناها وقوتها إلا من توفرنا على رعايتها وتعهدها وتنظيمها. والديمقراطية لا تعني مبدءاً سحرياً نمسك به كما نمسك بخاتم المارد فإذا به يحيل كل شيء إلى لغته ويترجم الواقع إلى لسانه. إنها دأب وعمل وبحث جدي عن التنظيم الدقيق العميق الذي يحفظ لهذه الديمقراطية قدسيتها وواقعيتها في آن واحد. ذلك أن قوامها أولاً وأخراً "أن نعلم الناس أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم عن طريق السماح لهم بأن يفعلوا ذلك". ومثل هذا المطلب الضخم عرضة للانزلاق والانحراف، إن لم نتقن أسلوب هذا التعليم ونتوفر على تجويده.
إن مهمة صون الانسان والحفاظ على قيمته وقدرته على التفتح والازدهار، هي المشكلة الجدية المطروحة أمام أبناء القرن العشرين. والابقاء على كرامة الانسان العربي وافساح المجال أمام قواه المبدعة الخلاقة، على رأس المسائل التي يجدر بنا أن نجهد لإيجاد الصيغة الملائمة لتحقيقها. وإن كل هدف يتضاءل أمام هذا الهدف الأسمى، هدف حماية الانسان من طغيان أخيه الإنسان، وإيجاد إطار للتعايش الحقيقي الشريف بين بني البشر. ولمثل هذا الهدف يجدر بالإنسان العربي أن يجند قواه ويشد رحاله، حفاظاً على الرسالة التي طالما آمن بها وعمل من أجلها، رسالة كرامة الإنسان وتحقيق وجوده الكامل على الأرض. ولا يكفي في أداء هذه المهمة الشماء أن نحشو النفوس إيماناً بها وحماسة من أجلها، وأن نزرع الأفكار تقديساً لها وتسبيحاً بآلائها، فمثل هذا التقديس الأجوف أخطر على الديمقراطية من العدوان المباشر عليها، والتقديس الحق للديمقراطية يكون، كما قلنا ونقول، عن طريق نظرة واقعية علمية تتوفر على تحقيق اللقاء الحق بين الواقع والمثل الأعلى، وذلك بالبحث عن الشكل العملي المنظم لتطبيق الديمقراطية في مجتمع من المجتمعات تطبيقا يستجيب لمطلبين متآخذين: ملاءمة الشكل لبنية المجتمع وواقعه، واشتماله على إمكانيات تمكنه من تجاوز ذاته إلى شكل أكثر ديمقراطية وأقبل للتطور.

وإيجاد هذا الشكل العملي، هو مهمة المهمات في مرحلتنا الحالية، وما سواه ملحق وظل. وواضح أن إيجاد هذا الشكل لا يمكن أن يتم إلا بالطرق الديمقراطية نفسها.
لقد سبق أن كتبنا منذ ثلاثة شهور في بحث قدمناه لحلقة أسس التربية في العالم العربي المنعقدة في القاهرة: أن الديمقراطية حين تأخذ بالتفسير الواحدي للأمور لا بد أن تنتهي إلى ديكتاتورية قاسية، لأن من طبيعة المبادئ المطلقة ألا تتسامح مع من يخالفها، ولو انتحلت اسم الديمقراطية، ولأن من جوهر النظرية الواحدية الفذة ألا يتم تنفيذها عملياً إلا عن طريق الحزب الوحيد أو الفئة الواحدة التي تتولى الإشراف على كل شئء. ونعود اليوم لنؤكد هذه الرابطة الوثيقة بين الديمقراطية وأسلوب العمل لها، بين شكلها العملي وبين الطريقة الديمقراطية اللازمة للوصول إلى هذا الشكل.
إن العمل للحياة الديمقراطية الحقة عمل شاق مليء بالعرق، ولكنه عمل جدير بأن تبذل من أجله الأعصاب، ما دام هدفه بلوغ رسالة الإنسان الحقة، وتحقيق حياة جديرة به كإنسان.

عبد الله عبد الدائم


مجلة الجندي الصادرة عن إدارة التوجيه المعنوي دمشق
21 تشرين الأول/ أكتوبر 1961 العدد 518
عزالدين بن حسين القوطالي
عزالدين بن حسين القوطالي
مساعد المدير
مساعد المدير

ذكر
عدد الرسائل : 268
تاريخ التسجيل : 16/12/2006

http://yahoo.fr

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى