العراق المقاوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

البعث وفلسطين : الحلم والهدف

اذهب الى الأسفل

البعث وفلسطين : الحلم والهدف Empty البعث وفلسطين : الحلم والهدف

مُساهمة من طرف عزالدين بن حسين القوطالي الخميس 20 نوفمبر 2008 - 11:39

البعث وفلسطين ...

الحلم والهدف




تنازعني الرغبة في أن أكتب عن ذكرى تأسيس حزب البعث، وطأة أحداث ووقائع متداخلة تضغط علي بقوة.
ـ العدوان الصهيوني النازي المستمر على الشعب الفلسطيني، الذي أخذ وتيرة متصاعدة ضد الانتفاضة منذ ستة أشهر ونيف ، وما أسفر عنه آخر دخول / ليل الثلاثاء / الأربعاء 11/12 نيسان 2001 إلى قرب خان يونس وتسوية 31 بيتاً من بيوتها بالأرض مع استشهاد اثنين من المواطنين وجرح أكثر من أربعين، بفعل صهيوني ـ نازي يجسده الكيان الصهيوني على الأرض مثبتاً الطبيعة العنصرية للصهيونية. وتنامي صراخ " مثقفين " عرب باتهام العرب باللاسامية لأن بعضهم أراد أن يتجاوب مع دعوة علمية للنظر بعقل علمي مفتوح ، في بعض الوقائع التاريخية المزورة، التي غدت أساطير سياسية صهيونية تضخم وتمارس بحرفية ومهارات عالية للابتزاز المالي والسياسي والإعلامي، ولجعل العرب يدفعون ثمناً غالياً لأخطاء الغير وجرائمهم المدانة.‏
ـ ومشهد الفرجة العربية على ذاك الذي يتم من دون أن ينم المشهد السياسي العربي عن تحرك يذكر لحماية الشعب الفلسطيني من الإبادة الصهيونية المنظمة ، اللهم عدا صراخ هنا وشجب هناك، ودعوة ملتبسة محبوكة لوقف "العنف" تقول بها الولايات المتحدة الأميركية وبعض الأنظمة العربية ـ الأميركية، يواكبها اجتماع للتنسيق الأمني في تل أبيب ثم في هرتسليا / مساء الأربعاء 12 /4 / 2001 في منزل الصهيوني ـ الأميركي مارتن إندك.‏
ـ توعد شارون ووزير دفاعه بنيامين بن أليعزر لفلسطينيي الانتفاضة وفلسطينيي السلطة باستخدام القوة اللازمة لوقف الانتفاضة وجعل السلطة تعود إلى طاولة المفاوضات بعد فرض " وقف العنف عليها أو بالتنسيق معها" حيث يبدو مفروضاً وقوة لا راد لها في ظل الوضع العربي البائس بعد القمة العربية الواعدة؛ مع استمرار استخدام القوة لفرض الحل المطلوب ـ وهو قرار فرضه جيش الاحتلال بعد أن كانت سلطته تلوح به ـ وتوقع اجتماع في الأسبوع القادم يضم أبو عمار و" أبو عومري ـ شارون "، في توجه نحو استئناف التفاوض بشروط تصنعها القوة ويسوغ الالتزام بها التزام معلن بأوسلو، تلك التي تموت ألف مرة ولا تموت!؟.‏
البعث عربي ، وصرخة قومية موجهة للأمة العربية لتحقيق أهداف كبيرة سامية نظيفة ترتبط بالمصالح العليا للأمة ، ولكن الأمة وزمنها الراهن ، وربما بعض ملامحها وشواغلها وتحركها، ليس عربياً، فيما يبدو. وعلى الرغم من مسح الغبار عن الرخام فإن التآكل يظهر هنا وهناك في بعض الزوايا والمفاصل. وإذا كان ذلك من الأمور التي تدعو إلى مزيد من الغيرة والعمل والمراجعة لتصحيح ما ينبغي تصحيحه في النفوس والمسارات والمعايير والضوابط وأطر العمل والتنظيم، فإن شيئاً في العمق يهتز وينبغي أن نحد من زلزلته حتى لا تؤدي الزلزلة إلى انكسار زجاج لا يُجبر، وشيئاً في تكوين الوجدان القومي ، يتصل بفلسطين وبعلاقة البعث العضوية بهذه القضية المركزية لنضال العرب الحديث ضد الاستعمار، ينبغي أن يحيا ويتطور ويكتسب حيوية فائقة تؤثر في كل مجالات حياتنا.‏
وقد يكون التوجه نحو تصحيح العلاقات العربية ـ العربية بشكل عام، والعلاقات الفلسطينية ـ السورية بشكل خاص ، في صلب هذا التوجه الحيوي والحاجة الملحة لأمتنا في الوقت الراهن. ومن الأهمية بمكان ألا يكون التصحيح تلفيقاً وألا يرتكز على " تكتيك " سياسي يؤدي إلى قبض على الماء والريح، بعد انتهاء اللاعبين من استنفاد أوراق ـ لا سيما عند من يرون السياسة لعب أوراق ويرون في كل عمل قومي ورقة لعب: من الثوابت والمبادىء .. إلى الجغرافية والتاريخ وحقوق الناس الناس ومقومات وجودها.‏
الوقت الذي يحكمني ويدميني يعيدني جريحاً متباهياً بجرحه إلى زمن بعيد قريب، أتفيأ في ظله أملاً كبيراً قادماً أتعلق به : التحرير والوحدة على أرضية استعادة البعث نقاءه وفاعليته وقدرته على الأداء ومبادراته الخلاقة في ميادين العمل كلها:‏
في السابع من نيسان 1947 تأسس حزب البعث العربي ليكون حركة قومية تعمل من أجل الوحدة والحرية: وحدة الوطن العربي وحرية أبنائه وقراره، وتحرير أرضه من سيطرة الاستعمار والارتباط بالاستعمار.‏
وتزامن ذلك الحدث مع تصاعد حدة الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة في فلسطين حول مستقبل هذا القطر ومصيره وهو في قبضة الاستعمار البريطاني- الوصاية- الذي كان يهيء كل الظروف والشروط المناسبة هناك ليقيم دولة اليهود- الصهاينة- على حساب الوجود العربي في فلسطين تنفيذاً لوعد بلفور وقرار عصبة الأمم واتفاقيات الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، التي أسست الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وفق منطق المنتصرين ومصالحهم.‏
وهذا الموقف المبدئي من قضية العرب الأولى، قضية فلسطين، كان وما زال جوهر الفعل في النظرية والتطبيق بالنسبة لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي اتخذ مؤتمره التأسيسي وفي دورة تشرين الثاني 1947 قراراً من أعلى سلطة فيه "مجلس الحزب" آنذاك، الذي هو المؤتمر القطري، الآن بـ " تطوُّع أعضائه للقتال في فلسطين " .‏
وداهمت حرب 1948 بنتائجها المرة المدمرة الأنظمة العربية والقوى والأحزاب وجماهير الشعب العربي في أقطاره، فكان ذلك من أهم حوافز البعث على تصعيد النضال- في إطار رؤية قومية تقدمية شاملة- لمقاومة الإقطاع والتخلف والأنظمة الفاسدة والديكتاتوريات المرتبطة بالاستعمار والأحلاف والقوى التي أخذت تركز جهودها لضرب كل توجه قومي- وحدوي- تحرري يرمي إلى امتلاك قوة تحرر القرار السياسي، وتضع حداً للمشروع الصهيوني- الاستيطاني الزاحف على أرض العرب ومستقبلهم.‏
وبقي حزب البعث العربي الاشتراكي ، وهو في خضم الأحداث الصعبة والمواجهات المرهقة والمؤلمة، مالكاً للرؤية السليمة متبيِّناًً للهدف وللطريق المؤدية إليها، مركِّزاً الاهتمام على المقولة الأصح والمقولة الأساس، ألا وهي : مركزية القضية الفلسطينية في النضال العربي ـ الوحدوي والتحريري والتحرُّري ـ وضرورة حسم الصراع العربي الصهيوني لمصلحة الأمة العربية، ومواجهة العدو على أساس أن صراعَ الأمة معه صراعٌ أبيد، وأن حسم هذا الصراع يحتاج إلى توازن استراتيجي معه، تحققه الأمة كلها على جميع المستويات بكل طاقاتها وقدراتها وإمكانياتها، في ضوء حقيقيةِ قوميةِ المعركة وتحالفات العدو المنبئة بحجم مشروعه التوسعي واستراتيجيته الرامية إلى إعادة رسم الخريطة الجيوـ سياسية للمنطقة العربية ليكون هو المهيمن عليها بكل أنواع القوة : العسكرية والاقتصادية والمعرفية والأمنية التي يملكها !؟ وكان على الحزب أن يهيئ سورية، التي يقودها، لهذه الأوضاع والتحديات والسياسات، لتبدأ على المدى البعيد، السير والدعوة إلى السير في طريق تحقق مستقبلاً: توازناً استراتيجياً شاملاً مع العدو بإمكاناتها، إذا لم تفلح في شد الأمة العربية إلى المعركة القومية وإلى إقامة ذلك التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني وحماته بقواها الشاملة. ولكن هل ننتظر الوصول إلى التوازن الاستراتيجي حتى نرد الموت والعدوان عنا!؟ إن ذلك موت بانتظار الموت. وهل نفقد أملنا بالمقابل في كل توازن استراتيجي مرتجى فنؤهل أنفسنا للاستسلام لكل قوة غازية طامعة آخذين بخيار السلام الاسترايجي الذي لا يمكن أن يكون خياراً دائماً لأمة من الأمم لا سيما في ظل الاحتلال والعدوان والتهديد والعنصرية ـ النازية كما هي حالنا مع الاستعمار الصهيوني العنصري ؟!‏
لم تكن عدة البعث الأولى- النشأة والتكوين وانطلاقة العمل- أكثر من الإيمان بالحق والنفس، وتوقد الوجدان القومي الحي، ورفض الهزيمة والاستسلام للواقع المفجع، والالتزام المبدئي، والإحساس بالمسؤولية حيال أمة يتأجج تاريخها ومجدها وحقها في القلوب.‏
الفكر والشعر والمعرفة، الأستاذ والمعلم والطالب والحوار الخصب، التاريخ والبطولات والتضحيات ومن تعلق بذلك وتأثر به واتبعه، واقع الناس ومعاناتهم والظلم الذي ينحرهم، والحلم الكبير الذي كان يراودهم؛ تلك كانت مناهل البعث ومواده وأدواته، التي استند إليها وقاوم بها وامتلكها وانطلق منها. وكان أصلب ما في نظرته ونظريته أنهما مستلهمتان من روح الشعب العربي وواقعه وآماله، من طموحه وتطلعاته المشروعة ومعطيات تاريخه ودروس ذلك التاريخ؛ ومعبرتان عن تعلق أصيل بالكرامة والحق، بالحرية وتحقيق النهضة، على أرضية الإيمان بأن الخلاص والتحرير والتقدم تكون قومية أولا تكون؛ وأن المواجهة مع الأعداء في الداخل والخارج تحتاج إلى طاقة الجماهير العربية المبرأة من أشكال الفساد والتبعية والإفساد، والموظفة بإخلاص ووعي عميقين لخدمة الأمة ومصالحها العليا وقضيتها المركزية : قضية فلسطين.‏
لم يكن فكر البعث من خارج تربة الثقافة العربية والبيئة العربية والقيم العربية، ولم يكن مشروعه ينطوي على استلاب للآخرين أو عدوان عليهم أو ممارسة متعالية من أي نوع؛ ولم يتكىء البعث في تمويله أو تنظيمه أو سلطته- عندما وصل إلى السلطة- على قوى من خارج الوطن؛ ولا شك في أن سر الأصالة والنقاء الروحي والصلابة المبدئية والخلقية هو الذي جعل الرواد حملة رسالة، ومن تبعهم رائداً قائداً يقوم بأداء الرسالة على طريق تم تعبيدها بشكل جيد.‏
في كانون 1952 عندما اندمج البعث العربي والاشتراكي العربي في حزب البعث العربي الاشتراكي وتابع الحزب طريق العمل الوحدوي الاشتراكي كان يتصدى لكل أنواع الطغيان والممارسات القمعية واضطهاد الإقطاع وتدخلات الاستعمار، وكان للصهيونية بالمرصاد، وكم حصد رصاص السُّلَط القصيرة النظر العميقة الارتباط بالخارج طلاباً ومناضلين، وكم شهدت السجون زفرات ومعاناة؛ ولكن ذلك لم ينل من صلابة الأداء ومن أهداف الحزب، وتطلعات المناضلين في صفوفه.‏
من أجل الوحدة وحدها، الهدف الأول والركن الأول في شعار الحزب، حل الحزب نفسه عام 1958، وعند هذا المفصل الهام أريد أن أتوقف قليلاً لأطرح أسئلة معاصرة، بعد أن استلم البعث السلطة ثماني وثلاثين سنة في سورية؛ وهي أسئلة تتعلق بالركن الأول من شعاره وبالهدف الأسمى من أهدافه: الوحدة العربية.‏
لقد تعرضت تجارب الوحدة إلى إجهاض متعددالأطوار، كان أقساها وأكثرها إيلاماً تجربة الوحدة المجهضة بين مصر وسورية تلك التي حل البعث نفسه من أجلها، والسؤال الذي يطرحه علينا اليوم صوت الإمبريالية- الصهيونية بعد حرب الخليج الثانية ومؤتمر مدريد واتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، والنزوع إلى ترسيم الحدود والدفاع المستميت عن تلك الحدود بين أقطار الوطن العربي هو:‏
هل فلسطين التي يموت شعبها اليوم من أجل قضية الأمة ومقدساتها ما زالت هدفاً قومياً أسمى، وهل الوحدة العربية ما زالت شعاراً ممكناً معقولاً مقبولاً؟! وهل من أمل في وحدة عربية بعد أن تدنى مستوى حلم المطالبين بها إلى أقل من اتحاد أو تضامن فعال، أو صيغ من الاتحاد الاقليمية العربية؟! وهل من الواقعية في شيء أن نقول يالتحرير ونعد له بعد أن اختار حكام العرب منذ قمة فاس في السبعينيات من القرن الماضي " السلام" خياراً استراتيجياً لحسم الصراع مع العدو المحتل، وكأن الصراع مع الاستعمار والاحتلال يحسم بمسالمة له ومنحه ما أخذه؟!‏
وهل نقول بالوحدة العربية بعد أن فقدنا ظل التضامن العربي الهزيل ذاته، ولم يعد للجامعة العربية- الصيغة التي لم ترض أحداً ولا تلبي طموح أحد من العرب المتطلعين إلى وضع أفضل- مكانة يطمئن إلى دورها وفعلها وقرارها أحد؟! لقد قال الغرب وقال الصهاينة: وداعاً للأمة العربية، وداعاً للقومية العربية، وهم يستقطبون الآن أنظمة وقوى وشرائح من المثقفين ويسيطرون على قرارات سياسية في ظل هرولة عربية على أعتاب الغرب والصهاينة تشير إلى درك من التردي القومي لم تبلغه الأمة من قبل، فهل في ظل هذا يُقبل من البعث التمسك "بطوباوية" الوحدة، فضلاً عن قوله "بالاشتراكية" التي انهارت في أكثر من موقع عالمي هام؟! ألا يستدعي ذلك كله مراجعة جوهرية في الأهداف والشعارات؟!‏
هذه الأسئلة التي يطرحها علينا فكر غربي أو صهيوني، أو فكر عربي يرتبط بهما، أو فكر له رؤية مغايرة للرؤية القومية منذ نشأت، لا بد من مواجهتها وتفنيد مراميها والرد عليها، ولن يكون هذا المقام شافياً وافياً لفعل ذلك؛ ولكن إشارات عابرة لبعض ذلك هنا تؤكد أهمية أن يتم التعرض لتلك الأسئلة بشيء من التفصيل والتدقيق مستقبلاً.‏
إن الوحدة العربية "حلم" مشروع لكل من يرى فيها مدخلاً لتغيير الواقع العربي المتهافت، والحلم دائماً أحد المداخل المشروعة لتغيير الواقع.‏
وفي ظل التكتلات الدولية الكبرى التي يشهدها هذا العصر، وعلى أبواب زحف المتوسطية والأوسطية والعَوْلمة على أقطارنا العربية، ليس لنا إلا الاحتماء بظل تكتل عربي اقتصادي وسياسي وثقافي..الخ يكون قادراً على المقاومة ودرء الأخطار عن الأمة وتوفير حد أدنى من الأمن القومي في كل مجال من مجالات الحياة والعمل والعلم والتقدم، فالأقطار العربية التي تشكل بيادق هزيلة على رقعة الشطرنج الدولية لا يمكنها أن تحمي مصالحها، وأن تحرر قرارها، وتحافظ على سيادتها باستقلالية تامة، وها نحن نراها إما محتمية بالقوى الأجنبية التي تستنزفها حتى آخر قطرة من الموارد والكرامة، أو محاصرة أو مهددة بالحصار تكابد المعاناة، إذا رفضت التبعية والانصياع للقوى الطامعة بها. والصيغة القطرية الحالية المتورمة التي غدت صيغة اعتراضية على القومية، وتسعى الأنظمة فيها إلى تعزيز تلك الصيغة، لن تنقذ شيئاً في المستقبل وستصبح موقعاً ينبعث منه التهديد ضد أي قطر عربي يسعى إلى تحرير قراره واقتصاده وثقافته من التبعية، والمحافظة على مصالحه وحضوره الفاعل من الابتلاع؛ لأنها ستكون- أرادت ذلك أم لم ترد- حليفاً للعدو أو منطلقاً لقوة عدوانه أو أداة لذلك العدوان، ويبقى القطر التابع المحتمي بالأجنبي ـ أو بالعدو من خلال اتفاقيات مع العدو كانت سمة العقد الأخير من القرن العشرين ـ في كل هذه الأحوال مأكولاً مذموماً ذليلاً، يرفع فيه أشخاص النظام رؤوسهم على حساب ذل شعبهم وأمتهم، إن حلم الوحدة لا يلبث أن يكتسب- في ظل رؤية موضوعية للمستقبل- أهمية الضرورة الحيوية التي تجعله الرافعة الوحيدة للأمة من مكامن ضعف أقطارها أو هلاك تلك الأقطار؛ فضلاً عن أن أي مشروع نهضوي- تحرري- تحريري، وأي تقدم علمي أو اقتصادي لا يمكن حتى لأكبر الأقطار العربية حجماً، من حيث السكان والمساحة، أن تشكّل قوة قادرة على إنجاز شيء ملموس في مجالاته، فالمشاريع الكبرى تحتاج إلى طاقة الأمة كلها.‏
وإذا ابتعدنا عن المشاريع النهضوية، والكلام الكبير، واكتفينا بالكلام المحدد في استنقاذ النفس والشعب والكرامة والأرض في حدود القطر البيدق فإننا لن نجد قطراً عربياً مؤهلاً بقدراته الذاتية لأن يشكل اكتفاءً ذاتياً أو حماية ذاتية تجعله قادراً على الصمود في وجه الضغط والعدوان والمنافسة، فضلاً عن المقاومة والتجاوز والمشاركة في الفعل الحضاري والسياسة الدولية والقرار الإنساني البناء.‏
وفي هذه الحالة يصبح الحلم الوحدوي على أرضية الفكر القومي والرؤية القومية والمشروع القومي هو المدخل الوحيد والممكن في آن معاً لصيغة مستقبلية تجعل العرب قادرين على حماية وجودهم ومصالحهم، وعلى التواصل مع الآخرين في مجالات الاقتصاد والثقافة والسياسة والاجتماع..الخ.‏
ويصبح هذا الحلم أكثر مشروعية منه في أي وقت مضى لتتكون من خلاله أرضية ملائمة لأهداف تتعلق بها عقول وأفئدة وإرادات، و تعمل من أجلها قوى وأحزاب.‏
إنني أرى في هدف الوحدة هدفاً متجدداً في هذه الظروف أكثر من أية ظروف أخرى، وأجد أنه، في ظل تجذر القطرية وتهافتها في آن معاً، ينبغي أن تتصاعد الدعوة للعمل العربي المشترك بكل الصيغ الممكنة لتقريب الأمة من التضامن والاتحاد في إطار نشدان الوحدة كهدف أسمى لأنها طريق الأمن والتحرير، وطريقنا إلى القدس والكرامة .‏
والنقلة النوعية التي أرى أنها ضرورية الآن هي تلك التي تجعلنا نكف عن"لَوْكِ" الشعار ونأخذ بتنفيذه خطوة متواضعة إثر خطوة أخرى متواضعة، بواقعية شديدة الدقة، وبدراسة تامة لواقع الأقطار ومصالحها، وبدراية كافية بكيفية التعامل مع النزوع القطري المتورم- في ظل استشراء سطوة الأنظمة وسيطرة الاستعمار والخوف على بعضها- لتصبح هناك رؤية منقذة وآمال مجسدة ومصالح على الأرض في أي خطوة عربية تقرب صيغ العمل العربي المشترك، لتجعل ذلك ممكناً ومفيداً وواقعياً.‏
إن السوق العربية المشتركة أحد المداخل، وشبكة المواصلات والاتصالات أحد المداخل، والربط الكهربائي العربي أحد المداخل، وتوحيد المناهج التربوية أحد المداخل، وتسهيل تنقل المواطن العربي في أقطار الوطن العربي بحرية واحترام أحد المداخل، وتشجيع رأس المال العربي للاستثمار في الوطن العربي أحد المداخل وكل تلك مواقع يمكن العمل فيها بجدية على أرضية من الاختيار الاستراتيجي والشعور العميق بأنها تشكل سبل الخلاص ومنافذ الإنقاذ لأمتنا وأقطارنا مما نحن فيه.‏
وتبقى أرض الثقافة، أرض الفكر، أرض العمل العربي المنطلق من الوجدان المشترك والمصير المشترك، هي التي علينا أن نعززها سواء في إطار البعث أم في إطار العمل الثقافي العربي وسبل الأداء في ميادينه، لأن الوعي والثقافة واستلهام الواقع، من خلال الالتزام به والانتماء إليه، هي التي تشكّل رافعة جدية وحيوية للوضع العربي مستقبلاً، كما شكل الوعي والثقافة، واستلهام الواقع وإرادة الجماهير التي جسَّدها البعث رافعة قومية حققت خطوات على طريق التحرير والنهضة والوحدة والعدل الاجتماعي يجب أن نذكرها ونستقرئها ونستفيد منها ونحن نراجع مسيرة أدائنا لنزداد ثقة وقدرة على الأداء، ولتزداد طرقنا إلى الغد العربي الأفضل نوراً ويسراً ووضوحاً.‏
عزالدين بن حسين القوطالي
عزالدين بن حسين القوطالي
مساعد المدير
مساعد المدير

ذكر
عدد الرسائل : 268
تاريخ التسجيل : 16/12/2006

http://yahoo.fr

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى