طليعة لبنان الواحد المشهد اللبناني
صفحة 1 من اصل 1
طليعة لبنان الواحد المشهد اللبناني
طليعة لبنان الواحد المشهد اللبناني
إفتتاحية العدد
الاصطفاف الطبقي في لبنان بديل للاصطفاف الطائفي السياسي
إفتتاحية العدد
الاصطفاف الطبقي في لبنان بديل للاصطفاف الطائفي السياسي
إننا نفهم أن دور شتى السلطات في العالم وواجباتها، سواءٌ من كان منها على مقاعد الحكم أم من كان على مقاعد المعارضة، يقضي على كل من طرفيها أن يتسابقا على الاهتمام بكل ما له علاقة بحقوق المواطنين وهمومهم ومشاكلهم ومشاغلهم من أجل التخفيف منها. بينما نرى في لبنان أن تلك السلطات تعمل على قاعدة فريدة من نوعها بأنها تمتلك فن إلهاء المواطنين وإغراقهم بمشاكل الخلافات التي تدور بين أطراف الحكم والمعارضة.
من يتابع فصول التمثيليات الإعلامية على شاشات التلفزيون بين تلك الأطراف لا يرى فيها إلاَّ كل ما ليس له علاقة بهموم المواطنين، بل يرى ويسمع كل ما يثير فيه نزعات التعصب لهذا الطرف أو ذاك. وهم يتخاصمون فينعكس خصامهم على الشارع ردات فعل وحقن يصل إلى حدود رفع المتاريس الطائفية، أما حينما يتفقون، أو يتصاعد ما يشير إلى دخان أبيض كعلامة للاتفاق بينهم تدب الراحة في نفوس اللبنانيين من أقصاه إلى أقصاه. إن تلك الصورة الراهنة تنطبق على الطرف الحاكم، كما تنطبق على الطرف المعارض.
ليس انخراط الحاكم والمحكوم في تلك المتاهات، التي لا يمكننا فهمها، وليس في التشابه في أداء الفريق الحاكم والفريق المعارض إلاَّ ما يثير التساؤل، ولا يمكننا الخروج من دائرة العجب إلاَّ إذا قمنا بتشخيص مظاهر ما يدور على أساس معرفة السبب الحقيقي.
هناك خلل في مفاهيم الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة، يتحمَّل مسؤوليتها الطبقتان معاً.
أما الطبقة الحاكمة فتصوِّر للمحكوم أنها تذود عنها مخاطر الآخر، وليس الآخر في المفهوم اللبناني إلاَّ الطائفة الدينية المقابلة، وتطلب منها لقاء ذلك أن تلتف حولها من أجل حماية الطائفة، وهي بهذا تصِّور أن مصالح من تمثل مرهون باستمرار زعمائها على مقاعد السلطة. ولن يسلم رأس الطائفة إلاَّ إذا سلم رأس نخبها المتسلطة.
أما الطبقة المحكومة، وهو أخطر ما في الأمر، فتتصور أن بقاء الطائفة مرهون ببقاء أولي الأمر فيها، فتسلِّم إليهم رقابها طائعة خاضعة لا ترى في ما يتخذه أولو الأمر من قرارات إلاَّ القرارات الصحيحة من دون تمحيص أو تحليل.
تلك هي ثقافة الطائفية السياسية، تقتتل فيها النخب من فوق، وتنفعل بها القاعدة المحكومة من تحت. يتفق الكبار فتسترخي القاعدة ، ويثور الكبار فتثور القاعدة.
إن لبنان لن تستقيم الأمور فيه، أي لن يستتب الأمر لمفاهيم سياسية منطقية ترى السلطة تقسيماً بين حاكم ومحكوم، يختار فيه المواطن سلطته السياسية لتنشغل بتدبير أمور حياته وشؤونها، فإذا نجحت أعاد المواطن انتخابها، وإذا فشلت يمتنع المواطن عن التجديد لها. وهذا لن يرى النور إلاَّ بإعادة تقسيم العلاقة على قاعدتين:
أولاً علاقة الحاكم الوطني الذي يمثل كل اللبنانيين، والمحكوم المواطن الذي لا يرى في الحاكم إلاَّ المعبِّر عن حقوقه على أسس المواطنة.
وثانياً، إعادة تقسيم الحياة السياسية في لبنان على قاعدة الولاء للطبقة الاجتماعية وليس الولاء للطائفة السياسية. وبناء قاعدة طبقية اجتماعية مظلومة، في مواجهة طبقة اجتماعية ظالمة وهاضمة لحقوق الطبقة المظلومة.
إن ذلك يدفعنا لأن ننادي بقيام تيار ثالث يؤسس لقيام نظام سلطوي حاكم متمرد على أسس الثقافة الطائفية، وداعٍ إلى نظام سلطوي قائم على أسس الفرز الاجتماعي وليس الفرز الطائفي. حينذاك لا يمكن للبناني أن يرى حقوقه، ولا يمكنه أن ينال تلك الحقوق إلاَّ من بوابة وعيه لموقعه كمواطن لبناني الذي على أساسه يختار ممثليه في مواقع السلطة الحاكمة.
***
الاستقلال في لبنان: عيد بأية حال عدت يا عيد
عندما يصبح علم لبنان يتيماً والثاني والعشرين من تشرين الثاني لطيماً
حكم البعض على إعلان استقلال لبنان أحكاماً قاسية، واعتبرها البعض يوماً تاريخياً، فكانت قسوتها تستند إلى مفاهيم طموحاتنا وأحلامنا الوطنية كما نراها اليوم، وهذا لا يستقيم مع قواعد الأحكام العادلة.
وانسجاماً مع فهمنا لقانون التغيير، نعتبر أن ذلك التاريخ كان مكسباً وطنياً للبنانيين، إذ أن حكمنا لصالحه إنما يستند إلى ضوء زمان الحدث ومكانه. وقياساً على ذلك نرى أنه يشكل نقلة جديدة بثوبها والكثير من مضامينها، إذ يكفي أنه أخرج «المندوب السامي» الفرنسي من لبنان ليعود إلى بلاده، واستبدلنا توقيعه على كل ما يصدر عن مؤسسات الدولة من مراسيم وقرارات بتوقيع مسؤول لبناني كامل الهوية.
فعلى هذا الأساس كان إعلان استقلال لبنان، في 22 تشرين الثاني 1943، يوماً فاصلاً بين مرحلتين: ما قبل الانتداب الفرنسي على لبنان، ومرحلة ما بعده.
بعد مرحلة الانتداب، كان يكفينا أن علماً جديداً رُفع على سواري المؤسسات الرسمية بدلاً من العلم الفرنسي، وبذلك حصلنا على شرف أن ترتفع أكف الجنود اللبنانيين إلى جباههم تحية لعلم لبناني صمَّمه لبنانيون. كما أصبح يكفينا أن نتوافق ونتخاصم ونتصارخ ونتحاور ونتزاحم وحتى نتسارق ونتساوم ونتوزّع الحصص ولا نجد مندوباً سامياً يأمرنا وينهانا ويؤدبنا ويقودنا إلى السجن. وفوق كل ذلك يزعم أنه يعلمنا الحضارة، وينقل إلينا الحداثة، وما بعد الحداثة، والديموقراطية وما بعد الديموقراطية، وهو في حقيقة أهداف انتدابه علينا يعمل على تطبيعنا، وكيف يمكننا أن نتثقَّف ونتثاقف على هضم حضارة الاستعمار والرأسمالية وفن الخضوع لإرادتهما.
أصبح يكفي اللبنانيين، بعد مرحلة الانتداب، أنهم أخذوا يقفون على أعتاب رئيس للجمهورية لبناني الهوية، وإذا امتنع عن استقبالهم أو لم يكترث لطلباتهم أو.. أو.. فلن يشعروا بأكثر من أنهم «مظلومين»، وما يصح على علاقتهم مع رئيس جمهورية لبنان، يصح أيضاً على علاقتهم برئيس مجلس النواب، وأيضاً برئيس الحكومة، وصولاً إلى علاقتهم بأدنى الرتب الوظيفية في أجهزة الدولة.
نحن نرتضي أن نكون مظلومين على أيدٍ لبنانية، وكان هذا مكسباً للبنانيين في حينه، أما السبب فهو أن أجدادنا وآباءنا وكبارنا، زعماءنا وأعضاء الأحزاب فينا، فكانوا يقفون بالصف أمام مقر «المندوب السامي» لينتظروا إما نعمة منه، أو نقمة. أما نعمته فكانت تُصرَف من جيوب اللبنانيين وعرق جبينهم، وأما نقمته فلم تشكل ظلماً في حينه، بل إنها كانت إهانة لكرامتنا الوطنية وسيادتنا على أرضنا وعلى قراراتنا وعل حريتنا في أن نتفق أو نختلف على طريقتنا الخاصة. وما أحلاها أن نتقاتل أو نتوافق فيكون الحَكَم بيننا لبنانياً حتى ولو كان ظالماً، وكم هي مُرَّة أن «يتسيَّد» علينا أو «يستأسد» «حاكم أجنبي» حتى وإن كان عادلاً؟
قلنا إن مرحلة الاستقلال في 22/ 11/ 1943، كانت نقلة نوعية في زمانها ومكانها على الرغم من تخلُّفها عن طموحاتنا وآمالنا وأحلامنا الراهنة حسبما توصلنا إليه من مفاهيم ورؤى جديدة.
أما الذي دفعني إلى قول ما قلته، فهو مشهد اليوم في لبنان الذي مضى عليه مستقلاً عن «الأجنبي» ثلاثة وستون عاماً بالتمام والكمال.
مشهد اليوم ينبئ، بل يدل، على أننا استبدلنا «المندوب السامي الفرنسي» الواحد بمندوبين «متعددي الجنسيات» من كل شكل ولون، ومن كل جنسية وهوية، وأصبحت الأرض اللبنانية مزروعة بكل أنواعهم وأشكالهم وروائحهم، بحيث يصح على لبنان التعليق السياسي الساخر :«بين مقر كل مندوب سامٍ ومندوب آخر، تجد مندوباً بينهما».
لم يكن أولئك المندوبون ليأتوا إلينا لو لم يستبدل كل واحد منا علم لبنان، العلم الذي ولد يوم الاستقلال، بعلمه الخاص، وبعلمه الخاص، وإيديولوجيته الخاصة، وبسلطته الخاصة، وشارعه الخاص، وخطابه الخاص، ومتراسه الخاص، وبدولته الخاصة....
وعلى هذا المنوال قد «تكر السُبحة» فتتحول كل شقة في لبنان إلى دولة مستقلة، لها علمها الخاص ومتراسها الخاص، والأشد مرارة أنه قد يصبح لكل منها «مندوبها السامي» الخاص.
يا ويلنا، ويا ذلنا، لم نعد مسؤولين عن أنفسنا، لم نعد قادرين على أن نتحاور إلاَّ بالواسطة، ولم نعد نتَّخذ قراراتنا ونوقِّعها بأنفسنا، بل من يوقِّعها عن كل واحد منا «مندوبه السامي».
وأخيراً، فقد مُنعت يا علم وطني من أن ترتفع في عيد استقلالك، ومُنعت يا يوم الثاني والعشرين من تشرين الثاني من أن تحتفل بعيد ميلادك. فأنتما أصبحتما يتيمين بل لطيمين بكل معاني الكلمة والمقاييس.
إننا لم يبق لدينا إلاَّ أن نعزيك يا علم لبنان، فقد أصبحت يتيماً على مائدة «الأعلام».
ورحمة الله عليك أيها الثاني والعشرين من تشرين الثاني فقد أصبحت «لطيماً» من دون أب أو أم. فاستبدلوك بالاستقلال الثاني والثالث، وربما يكون الاستقلال العشرون قريباً. كما استبدلوك بالرابع عشر من شباط، وبالثامن من آذار والرابع عشر منه، والله يعلم كم هو عدد الشوارع التي ستُسمَّى باسم الاستقلال غداً. وكم هو عدد القوى الذين سيتبارزون في الأزقة، وسلالم البنايات..و..و..
إننا نعزي الوحدويين في الوطن من الذين تنازلوا عن حصتهم فيه، عندما عرض الآخرون تقسيمه، فكان تنازلهم لكي يبقى واحداً موحداً.
وما للصادقين بمحبة لبنان والحريصين على وحدته أرضاً وشعباً وقراراً وسيادة وكرامة إلاَّ الصبر والسلوان. ويكفيهم فخراً، على قلَّتهم، أنهم ارتقوا فوق الطوائف والأحزاب والشلل والمدن والأرياف والشوارع وسلالم البنايات، من أجل أن تبقى أبواب كل اللبنانيين مفتوحة أمام كل اللبنانيين.
من يتابع فصول التمثيليات الإعلامية على شاشات التلفزيون بين تلك الأطراف لا يرى فيها إلاَّ كل ما ليس له علاقة بهموم المواطنين، بل يرى ويسمع كل ما يثير فيه نزعات التعصب لهذا الطرف أو ذاك. وهم يتخاصمون فينعكس خصامهم على الشارع ردات فعل وحقن يصل إلى حدود رفع المتاريس الطائفية، أما حينما يتفقون، أو يتصاعد ما يشير إلى دخان أبيض كعلامة للاتفاق بينهم تدب الراحة في نفوس اللبنانيين من أقصاه إلى أقصاه. إن تلك الصورة الراهنة تنطبق على الطرف الحاكم، كما تنطبق على الطرف المعارض.
ليس انخراط الحاكم والمحكوم في تلك المتاهات، التي لا يمكننا فهمها، وليس في التشابه في أداء الفريق الحاكم والفريق المعارض إلاَّ ما يثير التساؤل، ولا يمكننا الخروج من دائرة العجب إلاَّ إذا قمنا بتشخيص مظاهر ما يدور على أساس معرفة السبب الحقيقي.
هناك خلل في مفاهيم الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة، يتحمَّل مسؤوليتها الطبقتان معاً.
أما الطبقة الحاكمة فتصوِّر للمحكوم أنها تذود عنها مخاطر الآخر، وليس الآخر في المفهوم اللبناني إلاَّ الطائفة الدينية المقابلة، وتطلب منها لقاء ذلك أن تلتف حولها من أجل حماية الطائفة، وهي بهذا تصِّور أن مصالح من تمثل مرهون باستمرار زعمائها على مقاعد السلطة. ولن يسلم رأس الطائفة إلاَّ إذا سلم رأس نخبها المتسلطة.
أما الطبقة المحكومة، وهو أخطر ما في الأمر، فتتصور أن بقاء الطائفة مرهون ببقاء أولي الأمر فيها، فتسلِّم إليهم رقابها طائعة خاضعة لا ترى في ما يتخذه أولو الأمر من قرارات إلاَّ القرارات الصحيحة من دون تمحيص أو تحليل.
تلك هي ثقافة الطائفية السياسية، تقتتل فيها النخب من فوق، وتنفعل بها القاعدة المحكومة من تحت. يتفق الكبار فتسترخي القاعدة ، ويثور الكبار فتثور القاعدة.
إن لبنان لن تستقيم الأمور فيه، أي لن يستتب الأمر لمفاهيم سياسية منطقية ترى السلطة تقسيماً بين حاكم ومحكوم، يختار فيه المواطن سلطته السياسية لتنشغل بتدبير أمور حياته وشؤونها، فإذا نجحت أعاد المواطن انتخابها، وإذا فشلت يمتنع المواطن عن التجديد لها. وهذا لن يرى النور إلاَّ بإعادة تقسيم العلاقة على قاعدتين:
أولاً علاقة الحاكم الوطني الذي يمثل كل اللبنانيين، والمحكوم المواطن الذي لا يرى في الحاكم إلاَّ المعبِّر عن حقوقه على أسس المواطنة.
وثانياً، إعادة تقسيم الحياة السياسية في لبنان على قاعدة الولاء للطبقة الاجتماعية وليس الولاء للطائفة السياسية. وبناء قاعدة طبقية اجتماعية مظلومة، في مواجهة طبقة اجتماعية ظالمة وهاضمة لحقوق الطبقة المظلومة.
إن ذلك يدفعنا لأن ننادي بقيام تيار ثالث يؤسس لقيام نظام سلطوي حاكم متمرد على أسس الثقافة الطائفية، وداعٍ إلى نظام سلطوي قائم على أسس الفرز الاجتماعي وليس الفرز الطائفي. حينذاك لا يمكن للبناني أن يرى حقوقه، ولا يمكنه أن ينال تلك الحقوق إلاَّ من بوابة وعيه لموقعه كمواطن لبناني الذي على أساسه يختار ممثليه في مواقع السلطة الحاكمة.
***
الاستقلال في لبنان: عيد بأية حال عدت يا عيد
عندما يصبح علم لبنان يتيماً والثاني والعشرين من تشرين الثاني لطيماً
حكم البعض على إعلان استقلال لبنان أحكاماً قاسية، واعتبرها البعض يوماً تاريخياً، فكانت قسوتها تستند إلى مفاهيم طموحاتنا وأحلامنا الوطنية كما نراها اليوم، وهذا لا يستقيم مع قواعد الأحكام العادلة.
وانسجاماً مع فهمنا لقانون التغيير، نعتبر أن ذلك التاريخ كان مكسباً وطنياً للبنانيين، إذ أن حكمنا لصالحه إنما يستند إلى ضوء زمان الحدث ومكانه. وقياساً على ذلك نرى أنه يشكل نقلة جديدة بثوبها والكثير من مضامينها، إذ يكفي أنه أخرج «المندوب السامي» الفرنسي من لبنان ليعود إلى بلاده، واستبدلنا توقيعه على كل ما يصدر عن مؤسسات الدولة من مراسيم وقرارات بتوقيع مسؤول لبناني كامل الهوية.
فعلى هذا الأساس كان إعلان استقلال لبنان، في 22 تشرين الثاني 1943، يوماً فاصلاً بين مرحلتين: ما قبل الانتداب الفرنسي على لبنان، ومرحلة ما بعده.
بعد مرحلة الانتداب، كان يكفينا أن علماً جديداً رُفع على سواري المؤسسات الرسمية بدلاً من العلم الفرنسي، وبذلك حصلنا على شرف أن ترتفع أكف الجنود اللبنانيين إلى جباههم تحية لعلم لبناني صمَّمه لبنانيون. كما أصبح يكفينا أن نتوافق ونتخاصم ونتصارخ ونتحاور ونتزاحم وحتى نتسارق ونتساوم ونتوزّع الحصص ولا نجد مندوباً سامياً يأمرنا وينهانا ويؤدبنا ويقودنا إلى السجن. وفوق كل ذلك يزعم أنه يعلمنا الحضارة، وينقل إلينا الحداثة، وما بعد الحداثة، والديموقراطية وما بعد الديموقراطية، وهو في حقيقة أهداف انتدابه علينا يعمل على تطبيعنا، وكيف يمكننا أن نتثقَّف ونتثاقف على هضم حضارة الاستعمار والرأسمالية وفن الخضوع لإرادتهما.
أصبح يكفي اللبنانيين، بعد مرحلة الانتداب، أنهم أخذوا يقفون على أعتاب رئيس للجمهورية لبناني الهوية، وإذا امتنع عن استقبالهم أو لم يكترث لطلباتهم أو.. أو.. فلن يشعروا بأكثر من أنهم «مظلومين»، وما يصح على علاقتهم مع رئيس جمهورية لبنان، يصح أيضاً على علاقتهم برئيس مجلس النواب، وأيضاً برئيس الحكومة، وصولاً إلى علاقتهم بأدنى الرتب الوظيفية في أجهزة الدولة.
نحن نرتضي أن نكون مظلومين على أيدٍ لبنانية، وكان هذا مكسباً للبنانيين في حينه، أما السبب فهو أن أجدادنا وآباءنا وكبارنا، زعماءنا وأعضاء الأحزاب فينا، فكانوا يقفون بالصف أمام مقر «المندوب السامي» لينتظروا إما نعمة منه، أو نقمة. أما نعمته فكانت تُصرَف من جيوب اللبنانيين وعرق جبينهم، وأما نقمته فلم تشكل ظلماً في حينه، بل إنها كانت إهانة لكرامتنا الوطنية وسيادتنا على أرضنا وعلى قراراتنا وعل حريتنا في أن نتفق أو نختلف على طريقتنا الخاصة. وما أحلاها أن نتقاتل أو نتوافق فيكون الحَكَم بيننا لبنانياً حتى ولو كان ظالماً، وكم هي مُرَّة أن «يتسيَّد» علينا أو «يستأسد» «حاكم أجنبي» حتى وإن كان عادلاً؟
قلنا إن مرحلة الاستقلال في 22/ 11/ 1943، كانت نقلة نوعية في زمانها ومكانها على الرغم من تخلُّفها عن طموحاتنا وآمالنا وأحلامنا الراهنة حسبما توصلنا إليه من مفاهيم ورؤى جديدة.
أما الذي دفعني إلى قول ما قلته، فهو مشهد اليوم في لبنان الذي مضى عليه مستقلاً عن «الأجنبي» ثلاثة وستون عاماً بالتمام والكمال.
مشهد اليوم ينبئ، بل يدل، على أننا استبدلنا «المندوب السامي الفرنسي» الواحد بمندوبين «متعددي الجنسيات» من كل شكل ولون، ومن كل جنسية وهوية، وأصبحت الأرض اللبنانية مزروعة بكل أنواعهم وأشكالهم وروائحهم، بحيث يصح على لبنان التعليق السياسي الساخر :«بين مقر كل مندوب سامٍ ومندوب آخر، تجد مندوباً بينهما».
لم يكن أولئك المندوبون ليأتوا إلينا لو لم يستبدل كل واحد منا علم لبنان، العلم الذي ولد يوم الاستقلال، بعلمه الخاص، وبعلمه الخاص، وإيديولوجيته الخاصة، وبسلطته الخاصة، وشارعه الخاص، وخطابه الخاص، ومتراسه الخاص، وبدولته الخاصة....
وعلى هذا المنوال قد «تكر السُبحة» فتتحول كل شقة في لبنان إلى دولة مستقلة، لها علمها الخاص ومتراسها الخاص، والأشد مرارة أنه قد يصبح لكل منها «مندوبها السامي» الخاص.
يا ويلنا، ويا ذلنا، لم نعد مسؤولين عن أنفسنا، لم نعد قادرين على أن نتحاور إلاَّ بالواسطة، ولم نعد نتَّخذ قراراتنا ونوقِّعها بأنفسنا، بل من يوقِّعها عن كل واحد منا «مندوبه السامي».
وأخيراً، فقد مُنعت يا علم وطني من أن ترتفع في عيد استقلالك، ومُنعت يا يوم الثاني والعشرين من تشرين الثاني من أن تحتفل بعيد ميلادك. فأنتما أصبحتما يتيمين بل لطيمين بكل معاني الكلمة والمقاييس.
إننا لم يبق لدينا إلاَّ أن نعزيك يا علم لبنان، فقد أصبحت يتيماً على مائدة «الأعلام».
ورحمة الله عليك أيها الثاني والعشرين من تشرين الثاني فقد أصبحت «لطيماً» من دون أب أو أم. فاستبدلوك بالاستقلال الثاني والثالث، وربما يكون الاستقلال العشرون قريباً. كما استبدلوك بالرابع عشر من شباط، وبالثامن من آذار والرابع عشر منه، والله يعلم كم هو عدد الشوارع التي ستُسمَّى باسم الاستقلال غداً. وكم هو عدد القوى الذين سيتبارزون في الأزقة، وسلالم البنايات..و..و..
إننا نعزي الوحدويين في الوطن من الذين تنازلوا عن حصتهم فيه، عندما عرض الآخرون تقسيمه، فكان تنازلهم لكي يبقى واحداً موحداً.
وما للصادقين بمحبة لبنان والحريصين على وحدته أرضاً وشعباً وقراراً وسيادة وكرامة إلاَّ الصبر والسلوان. ويكفيهم فخراً، على قلَّتهم، أنهم ارتقوا فوق الطوائف والأحزاب والشلل والمدن والأرياف والشوارع وسلالم البنايات، من أجل أن تبقى أبواب كل اللبنانيين مفتوحة أمام كل اللبنانيين.
مواضيع مماثلة
» طليعة لبنان الواحد: المشهد الفلسطيني
» طليعة لبنان الواحد:المشهد العراقي في شهر تشرين الثاني
» طليعة لبنان الواحد:المشهد العراقي في كانون الثاني
» طليعة لبنان الواحد
» طليعة لبنان الواحد عدد أيار 2007
» طليعة لبنان الواحد:المشهد العراقي في شهر تشرين الثاني
» طليعة لبنان الواحد:المشهد العراقي في كانون الثاني
» طليعة لبنان الواحد
» طليعة لبنان الواحد عدد أيار 2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى